صوت الثورة
يقول الفيلسوف والأديب الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو واصفاً الشعب الإنجليزي: "لن يكون الإنجليز أمّة عبيد، إنهم أحرار في أن يصنعوا ما تسمح لهم به الحكومة والرأي العام"..
هذا
الوصف الدقيق هو أول ما يطرأ على ذهن ذي اللب عندما يشاهد كُتَّاب السلطة
ووعاظها وأقلامها المأجورة، ثم تتوالى الصور تِباعاً، تَبعاً للمتحدث
وموضوع الحديث، لتختتم ذات الصورة المشهد، لأنها بكل بساطة رغم ما فيها من
سخرية هي واقع الأمر..
سعيد الحمد، أحد جهابذة الإعلام
السلطوي وصاحب ثقافة "العبُّو والربُّو" هو أحد تلك النماذج التي تمتلك في
إطار مشيئة الحاكم مطلق الحرية في فعل ما تشاء.. نموذج ليس فريداً من
نوعه، لكن –والحق يقال- له بعض الخصائص التي تضفي عليه بعض التميز بين
أقرانه من العبيد، من بينها حالة الجهل المذقع التي يعيشها وسط وهم
الثقافة والمعرفة الذي يسيطر عليه وعلى من هم على شاكلته، والتي وصفها
الناشط الحقوقي البحراني نبيل رجب.. عفواً "الشيء نبيل رجب" كما يصفه "اللاشيء سعيد الحمد"، بالوصف الدارج "لا يعرف كوعه من بوعه"..
ليس
الغرض من هذه المقالة عزيزي القارئ النيل من سعيد الحمد، أو تمجيد نبيل
رجب.. فلا الأول يستحق الوقت والجهد، ولا الآخر في حاجة للتمجيد
والتبجيل.. وإنما ارتأينا ضرورة تكرار حقيقة جهل السلطة وأبواقها من باب أن
"التكرار يعلم ....."، وما أكثرهم في هذا الزمان..
وقبل البدئ، نستاءل: هل يعرف سعيد الحمد حقاً كوعه من بوعه؟
بين "الشيء" و "اللاشيء"..
يصر الحَمَد على تسمية نبيل رجب بـ"الشيء نبيل رجب"
في حالة من الاستظراف المصطنع أمام كاميرا التلفاز، معتقداً بـ(ثقافته)،
ثقافة "العبُّو والربُّو" التي لا تعدو خط الجهل المذقع أنه ينال من شخص
رجب بهذا الوصف.. والواقع أن رجب بات بالفعل "شيئاً"، وإلا لما خصص له الإعلام السلطوي مساحة من بثه تكلفه آلاف الدنانير.. فمتى يكون الإنسان "شيئاً" ومتى يكون "لا شيء"؟ سؤال يستحق التوقف عنده بعض الشيء..
يقول
الباري عز وجل في محكم كتابه الكريم (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ
عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) سورة
مريم – الآية 9. وتشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة أن هذا المخلوق
(الإنسان) كان في حالة من العدم أي حالة "اللاشيء"، ثم بإرادة الله عز وجل
خلقه فجعله "شيئا"، لأنه بعد الخلق بات يشغل حيزاً ويُحدث أثراً.. ومفاد
ذلك أن "ما يشغل حيزاً ويُحدث أثراً" إنما يكون "شيئاً".. وجَليٌ للجميع أن
نبيل رجب يشغل من إعلام السلطة حيزاً، بل ومن سفاهات سعيد الحمد حيزاً
كبيراً، ويُحدث أثراً حقيقياً يستوجب من النظام إنفاق كمٍ كبير من المال
والوقت والجهد للتعامل معه، سواء بتكذيب ما يقول أو يفعل أو بمحاولة الطعن
في وطنيته وولائه وشرفه أو ما إلى ذلك من الأساليب الرخيصة في منخل النظام
الذي يحاول جاهداً أن يغطي به الشمس..
قد يقول القائل أنه
وفق هذا البيان، فإن سعيد الحمد (ومن هم على شاكلته بالطبع) "شيء" أيضاً..
ولهؤلاء نقول: هو لا يدعي ذلك مطلقاً بل يقر أن "الشيء" هو نبيل رجب وليس
سعيد الحمد.. وما يقابل "الشيء" سوى "اللاشيء" مِصداقاً لقوله عز من
قائل: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ
فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) سورة الرعد – الآية 17.. إذن هي مقارنة بين
"الحق" و "الباطل".. بين "ما يمكث في الأرض" و "الزبد".. بين "الشيء" الذي "ينفع الناس فيمكث في الأرض"، مقابل "اللاشيء" الذي "يذهب جفاء".. (كذلك يضرب الله الأمثال)..
فالأصل في الإنسان إذن هو أن يكون "شيئاً" ينفع الناس لعمله بالحق، فإن عمل بالباطل كان "لا شيء" كالزبد الذي يذهب مع نسمات الريح.. وهو بطبيعة الحال أمر لا تستوعبه ثقافة "العبُّو والربُّو"..
أُكــتــب وأَكــتــب.. اقــــــرأ وأَقــــــرأ..
من
طرائف ما طالعنا به اللاشيء سعيد الحمد تحديه في إحدى حلقات تهريجه على
شاشة "صفا" (صفا النفس من كل خُلُقٍ كريم)، للشيء نبيل رجب في الكتابة،
طالباً أن يُوضع كُلٌّ منهما في غرفة مغلقة فيكتب الشيئ نبيل رجب 500 كلمة
(والتي أنقصها في ما بعد إلى 200 كلمة إمعاناً في التحدي) مقابل 3000 كلمة
يكتبها اللاشيء سعيد الحمد، على أن يخضع المقالان للتقييم والتحليل من
قبل لجنة عالمية من الحقوقيين وغيرهم، ويكون من بين معايير التقييم
التدقيق النحوي واللغوي والسياسي..
حقيقةً لم نتمالك أنفسنا
من الضحك ونحن نسمع هذا التحدي رغم محاولاتنا الجادة للتوقف، ذلك أن
الشيء نبيل رجب لم يطرح نفسه في يوم من الأيام ككاتب أو محلل سياسي وإنما
عرفه الناس منذ عرفوه ناشطاً حقوقياً وصاحب رأي ومبدأ، ولأن اللاشيء سعيد
الحمد أتبع تحديه بجولة أخرى من التحدي موجهاً حديثه للشيء نبيل رجب
قائلاً: "اقرأ باللغة العربية الفصحى، لُـغَـتــــــُــكْ، كما أقرأ أنا
بالنحو.. (ثم أتبعها بكلام باللهجة الدارجة) وبنشوف منهو اللي بخربط ومنهو
اللي ما بيخرط"، دون أن يفسر لنا الحَمَد سبب رفعه للمجرور في قوله
"لُـغَـتــــــُــكْ" والتي كان من المفترض أن تكون "لُـغَـتــــــِـكْ"
لِعِلَّةِ جرِّ "اللغةِ" السابقة لها بباء الجر..
يعتقد
اللاشيء سعيد الحمد أن العبرة في الحق هي كثرة الكتابة، ولا غرابة فهو
قلمٌ يكتب بما يُملئ في جوفه من حبر، بينما المعلوم هو أن "خير الكلام ما
قل ودل"، وأن "من زاد حديثه زاد غلطه" كما يقول الرسول الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم، وأن الكثرة غالباً ما تكون عنوان الباطل والقلة عنوان
الحق كما في قوله تعالى (قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً
مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) سورة البقرة – الآية 246، و
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ
مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ
يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا
جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا
الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم
مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) سورة البقرة – الآية 249،
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ
اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ
خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) النساء - الآية 66، (وَلَوْلاَ
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ
إِلاَّ قَلِيلاً) النساء - الآية 83، (وَاذْكُرُواْ إِذْ
أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن
يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم
مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الأنفال – الآية 26..
وغيرها الكثير من الآيات الكريمة التي لا يتسع المقام لإيرادها..
ولعله ليس عبثاً كون الحق (ح + ق)، أقل من الباطل (ب + ا + ط + ل) في عدد الحروف رغم قوته في كونه صراط الله جل شأنه..
وكما
بدأنا هذا المقال بإحدى طرائف حكم الفيلسوف الساخر برنارد شو لصلتها
الوثيقة بالموضوع، نختم بحكمة لا تقل عنها طرافة ولا محاكاة لواقع أبواقع
السلطة في ما تدعيه حديث ثقافةٍ ومنطقٍ وتحليل، حيث دُعي برنارد شو إلى
حفلة، وانزوى مع شابة جميلة في مكان ما يتحدثان، وبعد انقضاء ساعة ظل جورج
يتحدث فيها مادحاً نفسه وأعماله، التفت إلى الشابة قائلا: "لقد أطلنا
الحديث عني، وجاء دورك لتحدثيني عن نفسك.. ما رأيك بمسرحيتي الأخيرة؟!"..
كلمة
أخيرة، نوجهها للناشط الحقوقي المناضل نبيل رجب، ولكل النشطاء الحقوقيين
والإعلاميين الشرفاء، ونقول لهم بلغة الدوار: شكراً لكم.. شكراً لكم
ولتشاركونا البسمة، نترككم مع هذا المقطع من تهريج اللاشيء سعيد الحمد..