صوت الثورة
لطالما دأب النظام الخليفي وأجهزته وأبواقه الإعلامية على إنكار شرائه للذمم والولاءات لاسيما في التجمعات السياسية المزعومة وفي الاستقبالات الاحتفالية المصحوبة بالبهرجة الزائفة، لكنه يأتي اليوم في حماقة جديدة من سلسلة حماقاته اللامتناهية لإثبات ما كان ينكره بالأمس القريب.. ارقص للملك واهتف بحياته ثم خذ المكافأة وعد لمنزلك لمتابعة حياة العبودية لسيد نعمتك، حتى يتكرم عليك مرة أخرى بفُتاتٍ آخر تظل له مترقباً.. |
ارقص للملك بعشرة دنانير..
الولاء مقابل المال: مجرد عبث أم مؤشر انهزام؟
في أول يوم دراسي من العام الجديد، وزعت إدارات المدارس الحكومية خطاباً رسمياً لأولياء أمور الطلبة جاء فيه:
"تنظم وزارة التربية والتعليم بمناسبة العيد الوطني المجيد وعيد جلوس جلالة الملك مهرجان البحرين أولاً في شهر ديسمبر وعليه سيتم أخذ موافقة مبدئية لمشاركة نجلكم في هذا المهرجان حيث سيكون التدريب للطلاب في المدرسة في حصص مخصصة للتدريب صباحاً ثم في جامعة البحرين والاستاد الوطني عصراً."
قد لا يبدو الأمر جديداً في هذه الدعوة حيث جرت العادة على إرغام الأطفال وطلاب المدارس على المشاركة في احتفالات ما يسمى بالعيد الوطني وعيد الجلوس من كل عام. إلا أن الجديد هو ما أتبع هذه الدعوة من ملاحظات جاء فيها:
• سيحصل الطالب على درجة كاملة في التربية الرياضية والمواطنة
• سيحصل الطالب على مبلغ 10 دينار مكافئة له على المشاركة في المهرجان.
نموذج لخطاب وزارة التربية والتعليم
مدرسة بدر الكبرى الابتدائية للبنين
مشاركةٌ في مهرجان راقص تعادل دراسة مقرر كامل (المواطنة) على مدى فصل دراسي كامل، حيث يحصل الطالب المشارك في هذا المهرجان على الدرجة الكاملة في مقرر دراسي ليس بالضروة أن يحضر دروسه أو يستوعب ما فيه، بينما قد يحصل الطالب الذي لا يشارك في الرقص للملك على الدرجة الكاملة إذا ما أعد واستعد للامتحان وكان التوفيق حليفه أو ربما درجة النجاح أو الرسوب في المقرر رغم دراسته على مدى فصل دراسي كامل. وهذا لا يكون إلا في ظل نظامٍ يختزل مفهوم المواطنة في الولاء للأشخاص لا للوطن أو مستقبل البلاد.
فهل جاء قرار وزاة التربية والتعليم نتيجة قناعتها بتفاهة وضحالة هذه المادة لدرجة أنها لا تساوي رقصة لبضع دقائق؟ أم أنه العبث المبرمج الذي دأب النظام على تنفيذه لزرع ثقافة الولاء المغلوطة والتي أنتجت ما عقولاً ضحلة لا تهمها مصلحة البلاد والعباد، ولا يهمها الحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية وغير ذلك من الحقوق الأساسية، وإنما كل همها التطبيل والتزمير والهتاف: عاش الملك!!
ولأن الرقص كالسعادين والقرود يضاهي مفهوم المواطنة والولاء للأرض في عرف نظام ديكتاتوري متعجرف، جاءت المكافأة مضاعفة، فضمنت وزارة التربية والتعليم الدرجة الكاملة في مادة التربية الرياضية أيضاً، والتي من المفترض أن يكون هدفها مساعدة الطالب على بناء جسم سليم وتقوية بنيته الجسمية ما يساعده على تعزيز قدراته ومداركه الذهنية، ليُنتج نظام التعليم (في الحالة الافتراضية طبعاً) عنصراً فعالاً في المجتمع، يسهم في بناء حاضرها ومستقبلها.. إلا أن ذلك غير مهم بالطبع، فالحاضر والمستقبل هو النظام، والنظام هو الملك: عاش الملك عاش الملك.
ليس هذا فحسب، فتدريب الراقصين (سواعد بناء مستقبل البلاد) سيكون حسب خطاب التربية والتعليم "المدرسة في حصص مخصصة للتدريب صباحا ثم في جامعة البحرين والاستاد الوطني عصراً".. ومن غير المنطقي طبعاً أن تكون الحصص الأولى لجميع الصفوف وجميع المراحل الدراسية حصص تربية رياضية أو مواطنة. أي أن الراقصين لن يحضروا بقية الحصص طيلة فترة التدريب والتي تشمل التربية الدينية واللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم والمواد الاجتماعية والتربية الفنية، وغيرها من المقررات الدراسية، التي لا تبدو ذات أهمية بالنسبة لوزارة التربية والتعليم أمام هتاف الحناجر: عاش الملك عاش الملك.
ومع ذلك، لا تبدو كفتا الميزان متساويتان بعد، فالرقص لـ(جلالة) الملك لا يمكن مساواته بهذه المكافأة الزهيدة المتمثلة في تدمير التحصيل العلمي لطلبة المرحلة التأسيسية. لذا، فقد قررت الوزارة إضافة بند آخر للمكافأة يعمل تضرب به عصفورين بحجر واحد، وذلك بمنح كل راقصٍ مبلغ عشرة دنيانير لتشجيعه على ترك مقعده الدراسي للتفرغ للرقص للملك الأوحد.. العصفور الأول يتمثل في ضمان تعزيز علاقة العبد بالسيد الذي يرمي لها الفتات لتقتات منه بشرط ولائها الكامل له، أما العصفور الثاني فيتمثل في تحويل مفهوم الولاء من الأرض ومستقبل البلاد لشخص الملك الذي لا تساوي الأرض ومن عليها وما فيها صرخات مصطنعة من أجل الحصول على فتات العيش: عاش الملك عاش الملك.. مفهوم جديد للمواطنة لا يدرك أبعاده إلى الرقيق.
لطالما دأب النظام الخليفي وأجهزته وأبواقه الإعلامية على إنكار شرائه للذمم والولاءات لاسيما في التجمعات السياسية المزعومة وفي الاستقبالات الاحتفالية المصحوبة بالبهرجة الزائفة، لكنه يأتي اليوم في حماقة جديدة من سلسلة حماقاته اللامتناهية لإثبات ما كان ينكره بالأمس القريب.. ارقص للملك واهتف بحياته ثم خذ المكافأة وعد لمنزلك لمتابعة حياة العبودية لسيد نعمتك، حتى يتكرم عليك مرة أخرى بفُتاتٍ آخر تظل له مترقباً..
السؤال المهم في كل ذلك: ألا يدلل هذا السخف من النظام الخليفي ووزارة التغبية والتجهيل على حالة الهشاشة التي بلغها النظام أمام ثورة هذا الشعب الرافض للذل والاستعباد والمصر على نيل كامل حريته وكرامته وتقرير مصيره بنفسه، لدرجة أن يعرض الأموال مقابل الولاء في خطاب رسمي يحمل شعار الدولة واستم الوزارة وختمها وتوقيع الأرجوزات التعليمية برتبة مدير مدرسة؟!
أليست هذه رسالة لك أيها الشعب الأبي، بأن صمودك وإصرارك قد أوصل هذا النظام المهترئ لحالة من الإفلاس السياسي والفكري والأخلاقي، وأن نصرك قد بات قاب قوسين أو أدنى؟!!
عشرة دنانير يراها النظام قيمة الولاء من الذمم المعدومة، ويراها الشعب حافزاً للمزيد من الصمود والمقاومة والمضي في درب الثورة الذي بات يسير في مراحل متقدمة يقبع خلفها الانتصار لإرادة الشعب.. الشعب وحده ولا إرادة فوق إرادته..
باقون، باقون، حتى إسقاط النظام...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق