صوت الثورة
لم يكن إعلان السبب الحقيقي لوفاة الشهيد أحمد جابر القطان (16 سنة) وهو اختراق طلقات الشوزن قلب الشهيد ما تسبب إلى نزيف أدى إلى الوفاة، وذلك بعد أن كان بيان رسمي لوزارة الداخلية الخليفية ونشرته صحيفة مستشار الملك الإعلامي – الأيام- قد أرجع سبب الوفاة للهبوط الحاد في الدورة الدموية والتنفسية (وبالمناسبة لا توجد حالة طبية تحت مسمى هبوط في الدورة التنفسية)، لم يكن هذا الإعلان خالياً من الريبة بعد أن عمد النظام إلى تزوير كافة شهادات الوفاة للشهداء الأربعين الذين سبقوا القطان.
وكانت مجموعة صوت الثورة الإعلامية قد توقعت خلال الساعة الأولى لإعلان السبب الحقيقي للوفاة على لسان المحامي أحمد الجشي الذي كان متواجداً مع أهل الشهيد برفقة الطبيب الشرعي، أن يعمد النظام إلى سيل من الخطوات تتمثل في الحديث عن "شبهة جنائية"، ثم تبرئة وزارة الداخلية بمبررات هي أقرب إلى السخف منها إلى المنطق، لينتهي المطاف بتوجيه الاتهام إلى عدد من الأبرياء. وبذلك يكون النظام قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد، فمن جهة يُظهر للعالم أن ما يوجه إليه من اتهام بتزوير الحقائق والوثائق الرسمية لإخفاء الأدلة على ما يمارسه من قمع اتهام باطل، بينما بينما يستغل الحادثة في "القمع القانوني" بتوجيه الاتهام لمجموعة من الشباب وإيقاع العقوبات الترهيبية عليهم.
الأمر الأهم والأخطر من ذلك هو "إثبات لا سلمية الثورة واستخدام المتظاهرين للسلاح"، وهو الاتهام الذي فشل منذ انطلاق الثورة، بل حتى في الحركات الاحتجاجية السابقة على مر العقود الماضية، أن يثبته رغم تمسكه بهذه التهمة. فهو لم ينكر تعرض الشهيد لطلقات الشوزن، لكنه أكد أنها ليست مطابقة لطلقات الشوزن التي تستخدمها وزارة الداخلية.. وهنا لنا وقفة..
الوقفة الأولى: تأكيد استخدام الشوزن المحرم دولياً ضد المتظاهرين
أشار بيان الداخلية إلى أن "مديرية أمن شرطة المحافظة الشمالية قد أفادت بوقوع مواجهات بسيطة بين قوات حفظ النظام وبعض المتجمهرين بمنطقة أبو صيبع، إلا أن القوات لم تستعمل الشوزن في فض ذلك التجمهر، فيما تحصلت النيابة من وزارة الداخلية على عينة من طلقات الشوزن، وندبت أحد الخبراء المختصين بالإدارة العامة للأدلة المادية بالنيابة العامة لمطابقة تلك العينة على الطلقات المستخرجة من جثة المتوفي، وانتهى الخبير إلى اختلافها وعدم تطابقها".
اللافت في الأمر أن البيان أشار إلى حدوث مواجهات "بسيطة" فيما نقلت كل وسائل الإعلام العالمية من خلال صحفييها ومصادرها في الداخل أن المواجهات كانت "عنيفة وغير مبررة". وذات الأمر أكده مجموعة من الحقوقيين الذين كانوا متواجدين في قلب الحدث. من جانب آخر أكد البيان عدم استخدام سلاح الشوزن في تفريق التجمهر، وفي ذلك دلالة واضحة واعتراف رسمي على استخدام النظام لسلاح الشوزن في فض التظاهرات، غير أنه –حسب زعم البيان- لم يستخدم هذه المرة.. ومن فمك أدينك.. أما فيما يتعلق بمزاعم عدم استخدام الشوزن، فإن عشرات الإصابات التي نجمت عن ذلك الهجوم البربري خير دليل على عدم صحتها.
الوقفة الثانية: تأكيد الاستمرار في النهج الترهيبي وملاحقة المتظاهرين
إشارة أخرى تعرض لها البيان تمثلت في تأكيد " رئيس النيابة أن التحقيقات لا زالت مستمرة لكشف ظروف وملابسات الوفاة، وكذلك لتحديد هوية الأشخاص المجهولين الذين نقلوا المتوفى إلى المستشفى، خاصة وأن هذه المسألة تثير غموضاً كبيراً حول الواقعة، وتعتبر نقطة فاصلة في مسيرة التحقيق والنتيجة التي يخلص إليها، وبالتالي فإن التعرف على هوية هؤلاء الأشخاص، ثم امتداد إجراءات التحقيق إليهم، من شأنه بلا شك إزالة ذلك الغموض والكشف عن حقيقة الواقعة بجميع جوانبها الظرفية والشخصية."
وفي ذلك إشارة صريحة لملاحقة من حاول إنقاذ حياة الشهيد، تماماً كما كانت الحال في حادثة شهيد العيد علي الشيخ، حيث تمت ملاحقة واتهام من قام بنقله للمستشفى.. وبذلك يوجه النظام رسالة مفادها: إما أن تتركوا المصاب حتى يموت، أو سيوجه لكم الاتهام وستلاحقون قضائياً.
وليس هذا الأمر من قبيل التجني أو التخمين، وإنما يؤكده إصرار الداخلية على عدم مطابقة طلقات الشوزن لما تستخدمه، أي أن مسألة براءة الداخلية بات مفروغاً منها، والتحقيقات متركزة في البحث عن الجاني.
الوقفة الثالثة: ازدواجية الخطاب بين الداخل والخارج
بعد أن بدأت ثورة الرابع عشر من فبراير بالتبلور في قالب ثورة من وجهة نظر النظام الذي لم يكن ينظر لها بعين الجدية ويراها مجرد مظهر احتجاجي على غرار ما سبقه طيلة العقد الماضي، دأب النظام على وصم الحركة بالعنف واللاسلمية في محاولة لإعطاء المبرر لاستخدام العنف ضد من أسماهم بالمخربين. وما أن ظهر سلمان بن حمد على شاشة التلفاز ليعلن عن وجود انقسام مجتمعي على أسس طائفية، حتى بدأت نبرة التقسيم الطائفي تتعالى يوماً بعد يوم على شاشة التلفزيون الرسمي وصفحات الصحف الزرقاء، معززة بالصحافة الخليجية من جهة وقناة العربية من جهة أخرى، ومستندة لسكوت قناة الجزيرة ذو الأبعاد السياسية من الجهة الثالثة.
وقد نجح النظام في التأثير على شرائح واسعة من الطائفة السنية التي أظهرها بصورة "المستهدف من قبل الشيعة"، إلا أن الأمر لم يفلح في صفوف الطائفة الشيعية التي أصرت على وطنية الحركة رافعة شعار "أخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه"، وغيره من الشعارات الوحدوية رغم الأعداد الهائلة من بلطجية الإعلام والإنترنت الذين وظفهم النظام لبث حالة الشقاق المذهبي. غير أن اللافت أن الخطاب تغير في الداخل فقط، بينما استمر في خارجياً في البعد الآخر المتمثل في اللاسلمية من خلال "العنف الذي تمارسه مجموعات مخربة"..
إذن، هناك وصفان للحركة، الوصف الداخلي أنها حركة طائفية مذهبية موجهة من الشيعة ضد السنة، والوصف الخارجي على أنها حركة تتبنى العنف والتخريب وحمل السلاح. وكلا الخطابين أثبتا فشلهما حتى الآن..
الوقفة الرابعة: سلاح المعارضة
رغم أن آلات التصوير لا تفارق أيدي المرتزقة أثناء تنفيذ هجماتهم، ورغم إمكانيات التلفزيون الرسمي، ورغم الفبركات العديدة التي اصطنعها تلفزيون البحرين، إلا أنه لم يتمكن من تسجيل حالة العنف وحمل السلاح التي يدعيها في أي من تلك الحالات.. فعلى سبيل المثال، تعرض صحيفة الأيام والوطن وبقية صحف النظام خبراً عريضاً حول المخربين والاعتداءات وغير ذلك، بينما تكون الصورة المرافقة إما مظاهرة سلمية أو صورة من أحداث التسعينات، وكلها فبركات تم فضحها لضعف أداء القائمين عليها.
إلا أن الإدانات الدولية الأخيرة للأحكام الصادرة ضد الأطباء، وما تبع ذلك من توجه إعلامي عالمي لتغطية مجريات الأحداث في الساحة البحرانية، قد تسبب في إحراج كبير للنظام القمعي، إذ لا مبرر لمحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، ولا مبرر لبعض المحاكمات، ولا مبرر للأحكام المشددة في الكثير من الحالات، وضع النظام في حالة كبيرة من الحرج السياسي الذي لم تسلم منه الأنظمة الداعمة أيضاً وفي مقدمتها النظامان الأمريكي والبريطاني.. بل إن أسوأ الأمور على النظام هو وصف الثورة بالسلمية وغير المسلحة التي لا يكاد يخلو منها مقال في أي من وسائل الإعلام العالمي (عدا قناة العربية بطبيعة الحال، والتي اعتبرت نفسها طرفاً رسمياً في الثورة بما تقدمه من دعم إعلامي ومساهمة في الفبركات الإعلامية التي ينفذها النظام، وليس أقلها الادعاءات المتكررة بالاعتداء على مراسلها، وما تسميه "التشويش المتعمد" في إعلان مفضوح ورخيص لكسب ثقة المشاهدين).
لذا، فإن المخرج الوحيد أمام النظام هو إثبات حمل السلاح من قبل المعارضة.. وهذا هو المسار الذي بدأ النظام في انتهاجه مؤخراً وأول فصوله: عدم تطابق طلقات الشوزن، والذي سلفت الإشارة إليه في مقدمة هذا التقرير.
وقفة أخيرة: سيناريو المشهد القادم
في ضوء ما تقدم، وبناء على المستجدات الأخيرة على الساحة المحلية وفي مقدمتها موضوع عدم تطابق طلقات الشوزن مع طلقات الداخلية، فإن توقعات السيناريو القادم للسلطة الخليفية يتمثل في التالي:
أولاً: إنشاء حركات إرهابية مسلحة تحت مسميات مختلفة ترتبط بثورة 14 فبراير، من قبيل الجناح العسكري، حركة الدفاع، حركة 14 فبراير للدفاع المسلح، أو ما شابه ذلك. والترويج لها لكسب ثقة الشارع الثائر من جهة، وتخويف الشارع السني الذي بات غير متردد في قبول ترهات النظام حتى ما هو خارج عن حدود المنطق منها من الجهة الأخرى.
ثانياً: تنفيذ عمليات اعتداء على الممتلكات العامة أو الأشخاص مع استهداف مركز للمناطق السنية والمقدسات لتكريس مفهوم العنف وتوسيع الشرخ الطائفي الذي صنعه النظام.
ثالثاً: تنفيذ مسرحيات الكشف عن أسلحة واعتقال جماعات مسلحة وما إلى ذلك، ولا يستبعد نهائياً تقديم بعض العناصر المتعاونة لمحاكمات صورية وتنفيذ عمليات تمثيلية لمداهمات أوكار الأسلحة وما شابه ذلك، وذلك بهدف تكريس عملية توسيع الشرخ الطائفي من جهة، وكسب التعاطف الدولي الذي خسره النظام من الجهة الأخرى.
رابعاً: الشروع في تنفيذ بعض الإصلاحات الشكلية بضغط من البرلمان والشورى، ومحاسبة بعض الشخصيات لإضفاء طابع التصرفات الشخصية على أعمال القمع وإبعاد تهمة القمع الممنهج، والذي بات ثابتاً بالوثائق والأدلة التي قدمتها بعض الجهات للمحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية.
خامساً: تكرار نبرة الدعوة للحوار دون أي التزام جاد أو حقيقي في هذا التوجه، بهدف كسب الجهات المصنفة بالمعتدلة، وإحداث شرخ في وحدة صف المعارضة، إلى جانب كسب الوقت لتنفيذ الخطوات السابقة. وتعتبر استجابة جهات من المعارضة لمثل هذه الدعاوى أكبر هدية للنظام بعد أن باتت شريحة واسعة من الشارع مصرة على إسقاط النظام ومستعدة للتمرد على أي تجمع يسير في فلك الحوار الزائف.
** هذا السيناريو ليس مبنياً على التخمين والتوقعات وإنما هو خلاصة تحليل سياسي معمق من قبل المختصين والمراقبين للوضع القائم في الساحة، إلى جانب تحليل كافة المعطيات والمتغيرات التي طرأت على الوضع العام في الساحة المحلية والإقليمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق