الاثنين، 2 يناير 2012

علي الصالح.. بين الاستقالة والعدول.. أوراق التوت لا تستر العورات

صوت الثورة

ما أن انتشر نبأ استقالة علي صالح الصالح من لجنة شريح القاضي، المعروفة بلجنة بسيوني، حتى امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالخبر مصحوباً بنص الاستقالة.. البعض فرح ورحب، والبعض استهجن، والبعض الآخر مدَّ بصره قليلاً نحو الأمام فقرأ هذه الاستقالة قراءة واقعية في تلك اللحظة من زاوية انتفاض الصالح لكرامته عندما هاجمته بعض الأقلام وقدحت في شخصه، لكن شعرة من جسمه لم تهتز وكرامة شعب تُهدر في كل لحظة ترافقها دماء بريئة تراق أمام مرأى العالم ومسمعه.

وفي أقل من 24 ساعة من خبر الاستقالة، عاد خبر عدول الصالح عن استقالته ليشغل حيزاً من صفحات الشبكة العنكبوتية من جديد، فكان ذات البعض بين مصدق ومكذب ومستهجن وساخر.

هنا، نقدم قراءة سريعة جداً بين سطور هذه التراجيديا الجديدة من تراجيديات النظام الخليفي وطبالته، والصالح في قمة هرمهم.

ولنبدأ حديثناً بالتساؤل: كيف لخطاب موجه من رئيس مجلس الشورى إلى الملك، أن يذاع بنصه الكامل غير المنقوص في بضع سويعات من توجيهه، علماً بأن ذلك لم يعرض في وسائل الإعلام الرسمية؟ فإن كان الأمر تسريباً فتلك دلالة على هشاشة هذا النظام، وإن كان مصدر الانتشار هو الصالح نفسه تفاخراً وتسجيلاً لموقف فلماذا العدول في أقل من 24 ساعة؟

نظرة سريعة في خطاب الصالح تدلل على حقيقة ينبغي الالتفات إليها، وهي أن الاستقالة المزعومة جاءت ثأراً لكرامته الشخصية لمّا تعرضت له بعض الأقلام السمجة أساساً والتي لا يعيرها أحدٌ أي اهتمام، لا في الداخل ولا في الخارج. ولم تكن بواعثها على الإطلاق انتهاك كرامة الشعب ولا قتله ولا انتهاك الحرمات والمقدسات ولا الاعتداء على الأعراض ولا مهازل القضاء، ولا أي من ذلك.

وبرابط يسير بين هذه النظرة السريعة جداً، والتساؤل الذي سبقها، تكون الإجابة:
لم يجد تقرير شريح القاضي (بسيوني) الذي يؤكد الجريمة ويبرأ المجرم، الصدى الذي كان النظام وأعوانه يتوقعونه، ما دعاهم للتحشيد باعتماد آلية الإنكار والاستنكار على أمل أن يكون الاهتمام به من باب "خالف تذكر".. ومع ذلك لم تنجح المحاولة في استقطاب الرأي العام لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً، حيث ظل مورد الاهتمام الأكبر هو ثبوت الجرم في تقرير شريح. لذا، لجأ فرعون البحرين للتأكيد على الالتزام بما ورد في التقرير، فأعفى بعض الأسماء المعروفة من مناصبهم ظاهرياً، وأمر بإطلقاء سراح بعض المعتقلين وغير ذلك من الإجراءات الشكلية، في محاولة لإيهام العالم بالشروع في تنفيذ توصيات شريح. ويكفي هنا استذكار (إعفاء) عادل فليفل من منصبه كرئيس للمعذبين، وما يشغله من موقع (أهلي) في الوقت الراهن. فشل آخر، لا لسوء التنفيذ بل لسذاجة الفكرة..

تظل القشة التي يتمسك بها فرعون ونظامه "تقرير بسيوني" و"اهتمام العالم به"، ولا أفضل من ذلك من تعيين رجل يشغل منصباً متقدماً في الدولة وينتمي للطائفة الشيعية رئيساً للجنة التنفيذ. وبهذا يكون فرعون قد ضرب عصفورين بحجر واحد (حسب اعتقاده ومستشاريه طبعاً)، فمن جانب هو يبرهن للعالم جديته في تنفيذ توصيات تقرير شريح، ومن الجانب الآخر يثبت للعالم أنه أو نظامه ليسوا طائفيين، بل هم يتحدون هذا الادعاء بتعيين شيعي للنظر في احتجاجات شيعية، كما يحلوا لهم أن يصفوها ويصوروها للعالم وللسذج في الداخل.

فشل آخر، حيث لم يجتذب هذا التعيين انتباه العالم الذي رأى ويرى في كل يوم مشاهد القمع والقتل والتنكيل وانتهاك أبسط حقوق الإنسان، وسط حيرة من النظام: كيف له أن يقول هذا شيعي يا أيها الملأ في الوقت الذي يريد فيه نفي صفة الطائفية البغيضة التي تملأ كيانه؟

بعد جد واجتهاد، تطرأ فكرة إحداث ضجة حول شخص رئيس اللجنة لتتوجه الأنظار نحوه، وبقليل من الكلمات المدفوعة الأجر من أقلام السلطة وطبالتها، يتم توجيه التعاطي الإعلامي باتجاه (رئيس اللجنة الشيعي الذي عينه عاهل البلاد).. فكانت الاستقالة.

بدت الفكرة ناجحة في الساعات الأولى لانتشار الخبر التافه، ولكن سرعان ما تيقظ الإعلاميون والساسة والمحللون بل وحتى البسطاء من الناس لأغراض الاستقالة، فكان الاهتمام بالموضوع لا بالشخص، لتسجل هذه الخطوة فشلاً جديداً يضاف إلى سجل الفشل الخليفي المتتابع، والذي عززه التسرع في التنفيذ، ليُعلن سحب الاستقالة والتراجع. وما هذا الاستعجال إلا مؤشر ضمن مؤشرات عديدة لحالة التخبط والوهن التي يعيشها النظام الخليفي وطبالته الرسميون الذين اختاروا طواعية مزبلة التاريخ موقعاً لهم.

لقد خسر النظام حربه الميدانية والتي باتت تستنزف خزينة الدولة حتى بلغ عجز الميزانية حدوداً غير مسبوقة.. كما خسر الحرب الإعلامية رغم الأموال التي ينفقها بسخاء على الأقلام والقنوات المأجورة، وتفوق إعلام الثورة رغم بساطة أدواته، وهو لا يزال غير مدرك بأن القوة ليست في السلاح ولا براعة الإعلام، فتلك أدوات قد عفى الدهر عليها وشرب، وإنما في الإيمان بالحق والقضية.

استقالة علي صالح الصالح ما هي إلا ورقة خاسرة كغيرها من الأوراق التي استخدمها النظام فاحترقت في أولها.. وهي كتلك الأوراق التي سيستخدمها في القادم من الأيام وفي مقدمتها أعمال البلطجة التي بدأت تتسارع وتيرتها، والتي لن يكون مآلها أفضل من سابقاتها، لأن ما بني على باطل فهو باطل..

القراءة الواقعية لمجريات الساحة لم تعد تحتمل سوى حقيقة واحدة: أوراق التوت لا تستر العورات، وسقوط النظام أضحى وشيكاً بأكثر مما قد يتخيل البعض.. والنصر قادم بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق