الأحد، 7 يوليو 2013

بيان هام: لا تهرقوا الثورة بتمردٍ مُستنسخ


صوت الثورة - البحرين
7 يوليو 2013
بسم الله الجبار فوق كل متجبر، العظيم المتعال، لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ملكه، ولا راد لأمره، الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد، الرسول المسدد، والنبي المؤيد، وعلى أهل بيته الطاهرين المطهرين، سفن النجاة ومنازل الرحمة.

بادئ ذي بدئ، نبارك لشعب مصر إنجازه التاريخي الذي سطَّره في صفحة ناصعة من صفحات التحرر من قيود الظلم والاستبداد، فرسم أجلى صور التعاضد الشعبي الذي ترفع فيه الجميع عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية والعقائدية والحزبية، ليعلنوها صرخة مدوية في وجه تجار الدين والهوى: إرحلوا، مؤكدين في ذلك على حق الشعب في تقرير مصيره. كما لا يفوتنا التعبير عن تقديرنا وإشادتنا بموقف المؤسستين العسكرية والدينية في مصر الشعب، الأولى بتحمل مسؤوليتها الإدارية وانحيازها لإرادة الشعب ودفاعها عنه حقوقه، والثانية بجرأتها في إعلان كلمة الحق لوأد الفتنة التي أراد تجار الدين بها تفكيك اللحمة الشعبية في مصر خدمة لأغراضهم الدنيوية الدنيئة، فأعلنتها قاطعة لا تقبل التحوير والتأويل: كل دم ابن آدم حرام، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وأن كل من اعتدى على هذه الدماء فجزاؤه الحد كائناً من يكون. فتحية لشعب مصر ومؤسساتها التي أعطت نموذجاً مشرفاً في زمن بات فيه القابض على حقه وحقوقه كالقابض على الجمر.

أما بعد،
فإن ما شهدته ساحتنا المحلية على أثر هذا الإنجاز العظيم من شعب مصر، من دعوة لـتمرد شعبي بحراني في 14 أغسطس القادم، على غرار التمرد الشعبي في مصر، قد دعتنا للتوقف منذ اللحظة الأولى لانطلاقها، لنرقب عن كثب امتدادات وتطورات تلك الدعوة، لاسيما وأنها قد لاقت ترحيباً وقبولاً من البعض، سواء الأفراد أو الحركات الثورية، فيما تحفَّظت مجموعة صوت الثورة على بيان موقفها من هذه الدعوة لحين الوقوف على كافة أبعادها وما يرتبط بها من آثارٍ محتملة، فكان أن أخضعت الأمر للبحث والتمحيص، مُعتبِرة في ذلك الأبعاد السياسية والميدانية باهتمام بالغ. وبناء على ما خلُصت إليه المجموعة، فإنها تعلن في هذا البيان موقفها الحازم من تلك الدعوة، والذي نستبقه ببعض البيان للوقوف على خلفية هذا الموقف، سائلين الله العلي القدير أن يحفظ ثورتنا الشعبية الوطنية وأن يكتب لها النصر القريب، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير:

أولاً: انطلقت الدعوة في بدايتها من أحد الحسابات الثورية على شبكة تويتر، وكانت بمثابة الاستثارة لاستشعار إمكانية (التمرد) على غرار التمرد المصري. وحيث لاقت الدعوة استحساناً مع قبل البعض، تَحوَّر الأمر ليكون دعوة صريحة للتمرد، اختير الرابع عشر من أغسطس القادم موعداً له.

ثانياً: مع التوسع في قبول هذه الدعوة، وعلى وجه الخصوص في العالم الافتراضي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ظهرت مجموعات أخرى تتبنى نفس الدعوة، وأخذت كل جهة تصدر البيان وتنسب لنفسها قيادة (التمرد) المرتقب، منها ما هو معلومٌ فتبنى الدعوة، ومنها ما وُجد تحت مسمى (تمرد) بينما ليس في عوام الجماهير من يعلم القائمين على تلك الدعوة.

ثالثاً: اللافت في بيانات وتصريحات تلك الجهات، وهي أربع جهات حتى تاريخ ووقت صدور هذا البيان، أنها وإن بدت للبعض متوافقة، أن كلاً منها قد تبنى سقفاً مختلفة، كان بعضه صريحاً في بيانه كتلك التي تبنت "إسقاط النظام"، والبعض الآخر معتمداً المواراة في المفردات والعبارات بما لا يجعل السقف هلامياً لا ملامح واضحة له كتلك التي تحدثت عن "إدارة رأس نظام الحكم"، وعن "تقرير المصير" دون الإشارة إلى إسقاط النظام.

رابعاً: خلت جميع الدعوات من منهجية عمل واضحة، واكتفت بالدعوة للتمرد والتظاهر، في حالة هي أقرب إلى الارتجال منها إلى التخطيط الذي يضمن نجاح أي حراك.

خامساً: لاحظت المجموعة أن بعضاً من الحسابات الإلكترونية في تويتر التي لم تتوقف عن الدعم المتواصل للتمرد المرتقب وبعضها حسابات مملوكة لإخوة أعزاء يقبعون خلف قضبان السجون الخليفية، فكان أن تبين بعد تتبع مصادر تلك التغريدات أنها أجهزة حاسوب في وزارة الداخلية. ونشدد هنا على أننا بهذا لا نوجه بأي شكل من الأشكال الاتهام لأي جهة من الجهات المتبنية لدعوة التمرد بأنها جهات استخباراتية أو ما شابه ذلك، وإنما نسترعي الالتفات إلى موقف العصابة الخليفية المشجع على هذا الحراك المرتقب بأساليبه الملتوية المعهودة.

سادساً: شهدنا في خضم الدراسة الدقيقة للوضع، تعرُّض بعض الحسابات المتبنية للدعوة لضغوط غير معلنة لسحب تبنيها لهذه الدعوة بهدوء من قبل مجموعات مماثلة، وهو الأمر الذي ينافي المنهجية التي تبنتها ثورة الرابع عشر من فبراير في البحرين، والتي قامت ولاتزال على أساس اللامركزية والتعددية وحرية التعبير والعمل في ظل الهدف العام للثورة المتمثل في إسقاط العصابة الخليفية وتحرير الوطن من هذه الطغمة ومن الاحتلال السعودي والإماراتي الذين دنسا أرض أوال بما أراقا والعصابة الخليفية من دماء طاهرة على أرض منها نبتت وفيها ترعرعت.

بناء على ما تقدم، وعلى ما تم الوقوف عليه من آثار خطيرة على مستقبل ومصير الثورة، والتي لم نجدها غير أنها تشكل منعطفاً خطيراً في مسار الثورة الشعبية الوطنية، ثورة الرابع عشر من فبراير، قد تكون أقل نتائجه هو ضعضعة الثورة وانسلاخها من ثوبها الوطني لتتلبس بثوب الاستنساخ غير المدروس لتجارب خارجية دون اعتبار المعطيات والمعايير والأهداف التي تمثل روح الثورة، فإن مجموعة صوت الثورة تعلن موقفها الصريح الرافض لهذا الحراك، وتوجه الدعوة لشركائنا في الثورة سواء على الجانب الميداني أو السياسي، وسواء في الداخل أو الخارج، وسواء الأفراد أو التكتلات، لإعادة النظر في مواقفها من هذا الحراك من خلال التحليل والبحث والتمحيص، واضعين نُصب أعينهم الهدف العام للثورة الذي قدم الشعب ثمناً له دماء أحبته رجالاً ونساءً وأطفالاً، وأحرار غُيِّبوا في غياهب سجون البغي الخليفي أو باتوا يسيحون في أراضي الله الواسعة بعد أن حُرِّمت عليهم أرضٌ أنبتتهم.

ونشدد القول على أن موقف صوت الثورة الرافض لهذا الحراك لم يأتِ اعتباطاً، ولا ردة فعلٍ أو معاداة لأي طرف، وإنما جاء مبنياً على معطيات تم النظر فيها بعين الدراسة والتحليل، ونوجز في ما يلي بعض أهم بواعث هذا الموقف:

1-   إن ثورة الرابع عشر من فبراير هي ثورة انبثقت من واقع المعاناة التي يعيشها أبناء البلد جراء استفراد العصابة الخليفية بمقدرات البلاد، وتفردها بالحكم بعيداً عن إرادة الشعب، وإقصائها للكفاءات الوطنية عن المشهد السياسي وزعزعتها للأمن الاجتماعي بما بثته وتبثه من سموم الفتن المذهبية والعشائرية والطبقية البغيضة. ولم تكن الثورة منذ لحظاتها الأولى نتاج عاطفة أو سيراً مع تيار ما سُمي بالربيع العربي، وإن كانت قد وجدت في تلك الظروف الفرصة المواتية لانطلاق شراراتها ومشروعها. وعليه، فإن واجب أبناء الثورة الحفاظ على ثورتهم بعيداً عن كل اندفاع عاطفي لا يخدم الثورة ولا يحقق أهدافها، أو حتى ما يمكن أن يؤجل انتصارها.
2-   الاستفادة من تجارب الآخرين هو عين الصواب والحكمة في كل الأمور بما في ذلك الثورة على الظلم والطغيان، إلا أن الاستفادة لا تعني استنساخ أي تجربة، لاسيما مع تباين الظروف والأوضاع المحيطة. فالتمرد الشعبي في مصر على سبيل المثال قد جاء تمرداً على السلطة الحاكمة التي أضرت بالبلاد دون أن يكون الهدف تغيير النظام السياسي في مصر. بل إن النظام السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه هو ما كان عامل تحفيز لتحقق الإرادة الشعبية. بينما ثورة الرابع عشر من فبراير إنما تسعى لتغيير نظام سياسي يبدأ بإسقاط الطغمة الفاسدة، لا لتمرد على حاكم أو عصابة حاكمة تحكم سيطرتها على مفاصل الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية، بل وتسخرها لإراقة دماء المواطنين حفاظاً على بقائها.
3-   لم يوفق الإخوة الكرام في اختيار الرابع عشر من أغسطس موعداً للحراك المرتقب، إذ أن لهذا التأريخ خصوصية بالغة الأهمية هي أنه اليوم الوطني لاستقلال البحرين من المستعمر البريطاني. وقد نجحت ثورة الرابع عشر من فبراير من تثبيت هذا اليوم الوطني الذي سعت العصابة الخليفية لإخفائه واستبدلته بما يسمى بعيد جلوس مجرميها السابقين أباً عن جد على عرش الحكم في السادس عشر من ديسمبر لتختزل الوطن في ذواتها. ويجب على الثورة أن تستمر في جهودها للحافظ على هذا التاريخ بصفته يوماً وطنياً تاريخياً، وهذا ما لا يحققه أي حراك مغاير في هذا اليوم. نعم، ندعو الشعب كل الشعب لأن يملأ الشوارع في 14 أغسطس لا بصفته يوم تمرد، بل بصفته اليوم الوطني لبحريننا العزيزة.
4-   إن الرفض الخليفي الظاهري لما يسمى بتمرد البحرين مقابل التشجيع عليه من خلال حسابات وهمية وعمليات استغلال قذرة لحسابات بعض الشرفاء المعتقلين، ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ما وقفت عليه صوت الثورة من سيناريوهات محتملة وما خلصت إليه من نتائج سلبية على الثورة تحتم علينا التحذير من الانجرار وراء هذا الحراك.

وفي المقابل، فإننا نؤكد على ما يلي:
1-   ضرورة استمرار الحراك الميداني بكافة الأشكال، وعدم الرضوخ لليأس أو التململ من العمل المتواصل من أجل الثورة.
2-   ضرورة التزام خط المقاومة وتعزيزه، لتعلم العصابة الخليفية ومرتزقتها، أن لدماء الشعب وأعراضه وأمواله وأرواحه حرمة لابد لمن يعتدي عليها أن يدفع الثمن الباهظ.
3-   عدم التفريط في دماء شهدائنا الأبرار، وعدم هجرهم وأُسَرِهم. فقبور الشهداء لابد وأن تظل طرية تفوح منها العزة والأنفة، ولابد أن يكون كل فردٍ من أبناء الثورة ابناً باراً أو أباً عطوفاً أو أماً رؤوماً لذوي الشهداء الذين لم يبخلوا بدماء عليهم عزيزة من أجل الثورة وأبنائها.
4-   عدم التفريط في حق المعتقلين والرازحين في سجون البغي الخليفي من أطفال ونساء ورجال، فلهم على كل فرد من أبناء الثورة حق لابد أن يؤديه. فليكن أسرانا كما هم شهداؤنا، حاضرين في كل محفل وحراك.

وختاماً، فإننا وإن كنا نؤكد رفضنا لدعوة التمرد في 14 أغسطس، وندعو الجميع لمراجعة مواقفهم، فإننا نؤكد على احترامنا لكل رأي مغاير شريطة أن يكون نتاج دراسة وتحليل لا عاطفة واندفاع، وسنظل وإياكم نعمل ونبتهل إلى الله لأن ينصرنا جميعاً على عدوه وأشياعه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الخاتم الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق