السيد مهدي المدرسي*
ترجمة: مجموعة صوت الثورة - البحرين
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة البحرانية، فقد حان الوقت بالنسبة للغرب لإعادة تقييم دعمه للنظام
من
مآثر المنقول الروائي عند العرب (من كلمات الصديقة الطاهرة سيدة نساء
العالمين فاطمة الزهراء كريمة سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه
عليه وآله الطاهرين): "لعمري لقد لقحت، ريثما تنتج ثم احتلبوا ملئ القعب
دما عبيطا"، وهو قول إنما يشير إلى نتائج (كارثية في العادة) تلوح في الأفق
ولا مفر منها. فعلى مدى الأشهر الاثني عشر المنصرمة، حاول النظام الملكي
الحاكم في البحرين إجهاض حمل كان قد بدأ في خضم الربيع العربي، لكن الجنين
أثبت نضجه وتكامله، فكان عصياً على الإجهاض، ذلك أن الانتفاضة الشعبية التي
شهدتها البلاد في الرابع عشر من فبراير 2011، إنما تفجرت نتيجة عقود من
الاضطهاد وسوء المعاملة.
لم يكن من الوارد أو المأمول، أن
يدوم نظام حكم يعود إلى القرون الوسطى في هذه الجزيرة الصغيرة إلى الأبد،
غير أن المنهجية القمعية لهذا النظام تجاه ما يعلنه الشعب من ظلامة وما
يجأر به من شكاوى قد وفرت الضمانة الكافية لتسارع سقوط حكم العائلة
الخليفية الذي امتد على مدى 230 عاماً. فبعد مرور عام على اندلاع هذه
الانتفاضة، والتي كانت انطلاقتها بُعيد الانتفاضة المصرية، ورغم القمع
الوحشي الذي مارسه النظام، فإنه ما من تشخيص لحال النظام سوى أنها أكثر
قتامة من أي وقت مضى.
فعلى الرغم من مضي ثلاثة أشهر على صدور
تقرير اللجنة المستقلة للتحقيق، والتي انتهت لتأكيد وجود سياسة منهجية
للتعذيب، وسوء المعاملة، والتمييز على أساس الانتماء المذهبي، فشل نظام
الملك حمد بن عيسى آل خليفة في تنفيذ إصلاحات ملموسة على أرض الواقع ترضي
المعارضة. كما أن الانتهاكات القمعية الموثقة للحكومة من جهة، واليأس من
النظام من الجهة الأخرى، قد أسهما في تصاعد وتيرة الاحتجاجات والتي أدت إلى
فقدان شبه كامل للسيطرة على عدة مناطق رئيسية في هذه المملكة الخليجية
الصغيرة. بلدات مثل بني جمرة (واحدة من أسخن المناطق المناهضة للنظام في
البلاد) تقع تماماً خارج سيطرة النظام مع حلول الظلام. وكذلك هي سترة، إحدى
الضواحي الرئيسية في البلاد، والتي أطلق عليها اسم "عاصمة الثورة"، نطاق
جغرافي محرم على أزلام الحكومة.
بيد أننا عندما نراجع الخطاب
الدبلوماسي هنا في الغرب، فإننا نجد حالة من التباين والازدواجية الواضحة.
ففي الأسبوع الماضي فقط، كانت هناك دعوات جديدة من سياسيين أمريكيين
لتسليح الثوار (مع تحفظنا) في سوريا، بينما دأبت الحكومة الأمريكية على
الإصرار في رفض أي عنف في الشارع من المتظاهرين ضد النظام البحريني. هذه
الإزدواجية في المعايير، رغم أن سجل الإدارة الأمريكية مليء بها، تدعو
بالفعل لحالة من الذهول والاستغراب.
لقد اتسمت المظاهرات ضد
الحكومة البحرينية قبل الحملة القمعية للنظام في فبراير ومارس 2011،
بخاصيتين فريدتين: المشاركة الحاشدة والتي تجاوزت في إحدى التظاهرات
ثلاثمائة ألف متظاهر جابوا أرجاء العاصمة وهو ما يعادل ربع عدد السكان،
والحالة السلمية التي خرج بها المتظاهرون الذين لم يكونوا يحملون سوى علمهم
الوطني والورود التي كانوا يقدمونها لضباط الشرطة.
منذ ذلك
الحين، وقعت العديد من الأحداث، فعنف النظام الشرس ضد المتظاهرين المسالمين
قد غير قواعد اللعبة. فبدل التظاهرات الحاشدة، تولدت خلايا صغيرة
للمقاومة، باتت تعرف بـ"الكتائب" رغم أنها لا تحمل سوى العصي وتلبس الأكفان
في إعلان صريح للاستعداد للموت. وبدل الورود التي كانت تُهدى لرجال
الشرطة، أخذت قنابل المولوتوف الحارقة التي تتقاذف على سيارات الأمن التي
تغزو القرى الشيعية بهدف إخراجها تسود المشهد. وهل من غريب في أن يعمد
المتظاهرون للرد بالمثل بعد استخدام رجال الأمن قنابل المولوتوف الحارقة ضد
المتظاهرين العزل؟! فمع وجود أكثر من 40 رجل دين معتقل، واستمرار
الاعتداءات المتكررة على النساء المشاركات في الاحتجاجات السلمية أمام
الملأ، فإن عامة الناس إنما يشعرون بوجوب الدفاع.
كمٌ هائلٌ
من مقاطع الفيديو والصور المنشورة على مواقع الشبكات الاجتماعية، تظهر ما
يواجهه المتظاهرون العزل في البحرين من أعمال قمع وحشي واعتداءات سافرة
وقتل وسوء معاملة برعاية رسمية من الدولة. وما أن يتم تفريق التظاهرات
باستخدام العنف المفرط، حتى يتم اعتقال المئات من الناس وتعريضهم للتعذيب،
بل وللاعتداءات والتحرشات الجنسية. حملةٌ للترهيب شملت هدم العشرات من دور
العبادة الشيعية المرخصة، منع الشعائر الدينية، اعتقال الآلاف من الناس،
قتل حوالي 60 مواطناً خارج نطاق القضاء، وحبس الأطباء لعلاجهم المصابين من
المتظاهرين، لم تترك سوى سيناريوهين اثنين، كل منهما في غاية الصعوبة:
السيناريو الأول يتمثل في تراجع النظام والإفراج عن قادة المعارضة بمن فيهم
أمين عام جمعية أمل، وهي جمعية سياسية مرخصة، الأمر الذي يعني تجرُّؤ
المتظاهرين أكثر والمضي في ما كانوا قد بدؤوه قبل عام، فيما يدور السيناريو
الثاني حول استمرار النظام في قمعه الوحشي، ما يعني بالضرورة استمرار
المقاومة أيضاً.. فملك البحرين أشبه بمن وضع رجله على لغم أرضي، إن تراجع
مزقه اللغم إرباً، لكن في المقابل لا يُعتبر الاستمرار في الدوس على اللغم
خياراً قابلاً للتطبيق.
في خضم كل ذلك، فإن جماعات المعارضة
التقليدية والتي تعرف أيضاً باسم "الجمعيات السياسية" أصبحت بعيدة على نحو
متزايد مع تنامي الدعم للحركة الشبابية السرية عالية التنظيم المعروفة باسم
ائتلاف 14 فبراير، التي دعت للإطاحة بالنظام الملكي وإقامة نظام حكم
تمثيلي ديمقراطي. رسالة تتمتع بصدى أكبر بكثير لدى المجاميع الشبابية
مقارنة بتجمعات المعارضة التقليدية التي تدعم وعود النظام بإصلاح النظام
السياسي اللاديمقراطي القائم.
بالتزامن مع هذه المجريات،
يتجاهل حلفاء الحكومة البحرينية في الغرب هذه الحملة من النظام، وكذلك
التصعيد الناجم عنها. لقد كان من الممكن أن تحظى الولايات المتحدة
الأمريكية، ذات النفوذ الكبير في المنطقة، بقلوب وعقول الغالبية من شعب
البحرين لو أنها أدانت قمع النظام منذ البداية. فقد كان بإمكانها التفاوض
مع النظام لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو إلغاء عقود التسليح مع الأمن
البحريني في المقابل. لكنها عوضاً عن ذلك، اختارت أن تقف موقف المتفرج
بينما يُقتل الأبرياء من الناس ويعذبون، فيما تقدم لهم علباً من الكلام
الفارغ. على الأقل هذه هي رؤية البحرينيين الذين تحدثت معهم. الأسطول
الأمريكي الخامس، يقبع ساكناً في مقره، وبدل تقديم المساعدة للشعب المضطهد،
يظل النظام الاستبدادي هو المستفيد من المساعدات الفنية والتخطيطية
الأمريكية.
هذا خطأ استراتيجي. تخيل العواقب لو أن القوى
الغربية وقفت إلى جانب نظام حسني مبارك أو العقيد القذافي حتى النهاية!!
ولكن هذا هو بالضبط ما تقوم به حكوماتنا في ما يتعلق بالبحرين: تجاهل
الحقائق على أرض الواقع. والواقع الواضح هو أن هذا النظام متعلق بخيط رفيع.
ولولا الدعم العسكري السعودي والدعم السياسي الغربي، لكان نظام العائلة
الخليفية غير المنتخبة قد انهار منذ زمن طويل.
سواء قرر
زعماء الغرب خفض خسائرهم أو الإبقاء الاصناعي على حياة النظام البحريني في
الوقت الراهن، فإن أسوأ ما يمكن أن يقوموا به هو دفن رؤوسهم في الرمل
والعيش على أمل أن تجري الأمور على ما يرام. إنه لمن الحماقة حقاً المراهنة
على نظام ملكي فقد الثقة والاحترام والتأييد من رعاياه، فذلك لن يزيد إلا
من نفور الناس الذين لن ينسوا يوماً أن الغرب قد تخلى عنهم في وقت حاجتهم
له. الحقيقية هي أن هذه الناقة لن تكون هي ذاتها بعد معاناة ألم المخاض.
ورغم أن العديد يرغبون في التخلص من ذلك الجنين، إلا أن الأوان قد فات على
أي عملية إجهاض.
_________________________
السيد مهدي المدرسي، عالم دين، والرئيس التنفيذي لشبكة تلفزيون أهل البيت.
تمت الترجمة والنشر بناء على إذن مباشر من الكاتب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق