الثلاثاء، 21 فبراير 2012

الحوار وقرار الشعب

صوت الثورة

استكمالا لما كنا قد طرحناه في مواضيع سابقة حول مسألة الحوار، ورأينا القاطع في بطلان الحوار من حيث المبدأ لا من حيث الشكل أو جهة التفاوض، نتناول في هذه المقالة وجهة النظر المؤيدة للحوار والتي يتلخص طرحها في "التحاور، ثم القرار للشعب"..

وقبل البدء في هذا العرض نجد أنفسنا مضطرين لإعادة التأكيد على أن المسألة لا ترتبط بشخص المُحاور، ولا تنبعث من موقف موجه ضد الجمعيات السياسية باعتبارها الجهة المتمسكة بهذا الخيار، فهو حق لها لا إشكال فيه، كما أن حق الأطراف الأخرى أفرادا وكيانات التمسك بمرئياتهم المتمحورة حول رفض الحوار، دون أن يحق لأي طرف أن يلغي الطرف الآخر أو يسفِّه مرئياته. إنما الأمر مرتبط برفض مبدأ الحوار مع النظام الخليفي أو من يمثله فيما يرتبط بأصل وموضوع الثورة. فلو أن ائتلاف ١٤ فبراير على سبيل المثال لا الحصر، أو أي حركة ميدانية أو سياسية أخرى عدلت عن رأيها فرأت الدخول في حوار مع النظام، فإن الأمر بالنسبة لنا سيان، ولن يختلف الموقف تبعاً لهذا التغيير..

كمقدمة أساسية لفهم الموضوع المطروح في هذه المقالة، نشير إلى بعض الأمور الرئيسية، وهي:

أولا: إن الأطراف المتبنية لخيار الحوار تصر في توصيفها للوضع القائم على أنه "أزمة سياسية" لا يمكن الخروج منها إلا بـ"حل سياسي". والغرض من هذا التوصيف هو الهروب من حقيقة أن الاعتراف بوصف "الثورة" إنما يقتضي التسليم باحتمالية "إسقاط النظام" كنتيجة، وهو أمر لا يقرّه المنتمون لهذا الخيار إطلاقاً، على الأقل وفق التوصيف الشعبي لمفهوم "إسقاط النظام". والأمر هاهنا مرتبط بأدبيات هذه الأطراف لا بالتصريحات والخطابات الجماهيرية والإعلامية التي لا تخلو من استخدام مفردة "الثورة" لما في ذلك من ملامسة للعواطف المتأججة، ودرءاً لحالة الهيجان لدى شريحة من الجماهير.

ثانيا: تكريس وصف "الأزمة السياسية" للوضع القائم، وانحسار حلحلتها في "الحل السياسي"، إنما يُبعد عن المشهد كل طرف "غير سياسي" وفق الأطر القانونية في النظام القائم، وهذا يشمل بطبيعة الحال كل الكيانات غير المرخصة بمن فيهم الحركات الميدانية وفصائل المعارضة الأخرى في الداخل والخارج. ولهذا نجد إصرارا واضحاً رغم النقد المتواصل والعلني على وصف مرئيات الجمعيات السياسية الخمس الموقعة على "وثيقة المنامة" بأنها "مرئيات المعارضة" بالإطلاق العام، بينما هي في الواقع مرئيات "جزء" من المعارضة الفعلية، بغض النظر عن حجم هذا الجزء أو ذاك. وهذا أمر فيه الكثير من المغالطة لقيامه على إلغاء الآخر والتفرد بالرأي والقرار. فلا يصح التصريح مثلا بكون الشيخ المحفوظ زعيماً دون الاعتراف بالكيان الذي يمثله، وكذلك هي الحال بالنسبة لزعيمي تيار الوفاء (الأستاذ عبدالوهاب حسين) وحركة حق (الأستاذ حسن مشيمع)، وغيرهم الكثير.

ثالثا: صياغة مجموعة من المطالب المتوافق عليها في قالب وثيقة أو ما شابه ذلك مع عدم التعرض لا من قريب أو بعيد للمطالب المختلف عليها، لا يعطي للطرف المتبني للوثيقة الحق في إلصاق تسمية "المطالب الشعبية" بها، ذلك أنها تمثل جزءاً من المطالب -وإن كان موضع توافق- لا "كل" المطالب. وكما هي الحال في ما سبق، فإن الإطلاق في التسمية تعميمٌ غير لائق يقوم على أساس إلغاء الآخر.


ما نشهده اليوم في خطاب التحالف الخماسي (تحالف الجمعيات الموقعة على وثيقة المنامة) من مؤشر على المضي في الحوار دون الاكتراث برأي الشارع، ومن ثم استفتاء الشعب على ما يصل إليه المتحاورون، بحجة أن القرار للشعب، يثير العديد من التساؤلات، أبرزها:

السؤال الأول: ما هي الصفة التمثيلية للطرف المحاور في الإنابة عن الجميع في الحوار؟
فالتحالف الخماسي كما ذكرنا يمثل جزءاً من المعارضة لا كلها، وهذا يعني أنه في هذا الحوار لا يمثل غير مرئياته وليس "المطالب الشعبية". وهذا يقتضي بالضرورة أن تكون نتائج الحوار ملزمة للبعض لا للكل.
وحيث أن قرار الدخول في الحوار يرتبط بأمر مصيري، فإنه ليس من حق الجمعيات التفرد به، ذلك أنه لا ريب سيأخذ الأحداث في منحى آخر، يشكل منعطفاً خطيراً في الساحة، حيث سيتحول الصراع ما بين النظام كطرف والشعب كطرف مقابل، إلى صراع بين النظام والتحالف الخماسي كطرف (باعتبار ما سيطرح لاستفتاء الشعب هو مخرجات الحوار المتوافق عليها بين المتحاورين) وبقية المعارضة بكافة أشكالها كطرف مقابل.

السؤال الثاني: متى يكون الاستفتاء؟
الطرح الذي يتبناه التحالف الخماسي هو التحاور ثم الاستفتاء. وحيث أن الطرف المعارض للحوار يرى رفض الحوار من حيث المبدأ لبطلانه، فإن الاستفتاء على ما تم التوصل إليه من نتائج إنما يصب في إطار "فرض الأمر الواقع" لا غير. والصحيح أن يكون الاستفتاء قبل الحوار لا بعده، وأن يكون موضوع الاستفتاء حول الدخول في الحوار من عدمه، لا حول ما يفضي إليه من نتائج. فإذا ما جاءت نتائج هذا الاستفتاء بالدخول في الحوار، وجب الانتقال لمرحلة من يمثل الشعب في هذا الحوار، إذ لا يجوز للبعض أن يحاور باسم الكل. كما وجب تبعاً لذلك، عرض نتائج الحوار للاستفتاء الشعبي ليكون الشعب هو صاحب القرار، باعتبار أن المحاورين هم ممثلين عن الشعب لا بديلا عنه.

السؤال الثالث: ماذا سيكون موقف الجمعيات لو أن نتائج الاستفتاء الذي تطرحه (أي استفتاء ما بعد الحوار وفق الشكل الذي يطرحه التحالف الخماسي) جاءت برفض مقررات الحوار؟
وهذا سؤال في غاية الأهمية ينبغي التوقف عنده كثيراً والتأمل فيه عميقاً. نعم ماذا سيكون موقف الجمعيات إذا رفض الشعب نتائج حوارها مع النظام؟ هل ستقف مع النظام ضد الإرادة الشعبية باعتبار توافقها مع النظام على ما تم التوصل إليه؟ أم أنها ستتنصل من تلك النتائج وتقف في صف الإرادة الشعبية ضد ما وافقت عليه بالأساس؟ فإن كان التنصل هو الخيار، ألن يدخلها ذلك في حرج سياسي أمام الرأي العام العالمي وفي الأوساط السياسية ويفقدها مصداقيتها؟ والأهم من ذلك، ألا يعتبر الزمن الذي أمضته في الحوار والجهد الذي وضعته فيه هدراً للوقت والجهد لا طائل منه، وتأخيراً لإنفاذ الإرادة الشعبية؟


إن النظام في الوقت الراهن يعيش في أزمة حقيقية جراء التزامه الخيار القمعي عوضاً عن الامتثال للمطالب الجماهيرية التي كان سقفها أقل بكثير من السقف الحالي المتمثل في إسقاط النظام. لذلك، فإنه يُعتبر المستفيد الأول والأخير من أي حوار تكون (المعارضة) طرفاً فيه، ولو لكسب الوقت لإتاحة الفرصة أمام آلته الإعلامية التي امتدت لتشمل توظيف شركات العلاقات العامة الدولية لتجميل صورته والتي تعمل بشيء من الفعالية فيما لا يخدمها عامل الوقت. لذا، نجد حالة من المغازلة السياسية والتغاضي عن المتبنين لمبدأ التحاور، فيما تتحدث آلة البطش والقمع مع الطرف الآخر. وخير ما يُستدل به في ذلك ما تعرض له أمين عام التجمع الوطني القومي الوحدوي فاضل عباس مؤخراً من مضايقات رسمية شملت ولم تقف عند إيقافه عن العمل بعد أن أعلن موقفه الرافض للحوار وفق طرح الجمعيات وإصراره على عدم تجاهل الإرادة الشعبية، بعد أن كان جزءاً من التحالف يغض النظام الطرف عن تصريحاته.

تأسيساً على ما مر، فإنه لا يمكن اعتبار الحوار مع النظام إلا طوق نجاة كما كانت الحال في ما سبق من خطوات تفردت فيها الجمعيات السياسية بالقرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق