الاثنين، 29 أكتوبر 2012

الديمقراطية التوافقية.. المستجير من الرمضاء بالنار

صوت الثورة
قراءة في نموذج الديمقراطية التوافقية الذي طرحته جمعيات وثيقة المنامة كـ (حل) لما تسميه بـ (الأزمة السياسية) في البلاد.


في تطورٍ لافت لمطلب الفريق المنادي بالإصلاح والذي يضم خمس جمعيات معارضة هي جمعيات وثيقة المنامة، والتي تعتبر وثيقتها الأساس الذي تنطلق منه وتتحرك في ضوئه، بدأت المصطلحات السياسية تتقاذف من كل حدب وصوب دون أي بيان لمفاهيمها أو أبعادها، والاكتفاء فقط بإيراد المصطلح تلو الآخر. من بين هذه المصطلحات التي ظهرت مؤخراً (الديمقراطية التوافقية)، والذي طرحته جمعية الوفاق الوطني الإسلامية باعتبارها الراعي الأساسي للوثيقة، كنظام تسترضي به طرفي الحكم والموالاة. ومع تكرار هذا الاستخدام للمصطلح، باتت الديمقراطية التوافقية المشروع المطروح من قبل الجمعيات الخمس، رغم تضاربه مع مبادئ وثيقة المنامة التي لا تفتأ الجمعيات تؤكد على التمسك بها. ومع هذا التحول، لم تتفضل الجمعيات ببيان مفهوم "الديمقراطية التوافقية" التي ألقت بها على طاولة (الحل) لما تراه (أزمة سياسية).

ولكي لا ينجرف العامة خلف مصطلحات قد لا يدرك جُلُّهم مضامينها، نسلط في هذه المقالة بعض الضوء على نموذج الديمقراطية التوافقية من حيث النشأة والمفهوم، قبل أن ننتقل لتقييم هذا النموذج بصورة عامة، وبالنظر للواقع البحراني بصورة خاصة.

ونحاول بقدر ما يوفق الله جل شأنه تبسيط الأمور، ذلك أن هذا الموضوع له ارتباطات وتشعبات عديدة لابد من أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الفهم الصحيح والشمولي لهذا النموذج.


أولاً: مفهوم الديمقراطية وأشكالها:
تعني "الديمقراطية" في مضمونها العام (حكم الشعب لنفسه). ويرتبط أصل هذا المعنى بنشأة المصطلح، والذي تعود جذوره لليونانية حيث تعني كلمة (ديموس) عامة الناس، وتعني (كراتيا) الحكم، ليشير المصطلح المؤلف من الكلمتين (ديمو-كراتيا) حكم الشعب لنفسه. ويشيع الاستخدام الخاطئ لهذا المصطلح بوصف النموذج الديمقراطي القائم في الغرب على أنه الحالة الأصيلة للديمقراطية، بينما الواقع هو أن الديمقراطية القائمة في هذه الدول، أي دول الغرب، هي الديمقراطية الليبرالية أو كما يُصطلح عليها أيضاً الديمقراطية الدستورية، والتي تتلاقى مع الديمقراطية المطلقة، أو كما تُعرف أيضاً بديمقراطية الأغلبية، في جوانب وتتعارض معها في جوانب أخرى، غير أنها بالمجمل جاءت كتطور طبيعي لتقنين الديمقراطية المطلقة. ولسنا هنا بصدد التفريق بين النموذجين حيث يحتاج ذلك لبحث منفصل، إلا أننا نكتفي بالإشارة إلى أن إحدى مشكلات الدميقراطية المطلقة تكمن في أن حكم الأكثرية قد يشكل مصدر قلق أو ربما خطر بالنسبة للأقليات، بينما عالج نموذج الديمقراطية الدستورية أو الليبرالية هذه الجزئية من خلال إيجاد دستور يوفر الحماية للأقليات ويضع النظام العام لضبط حكم الأكثرية، بما يحقق التوازن بين سلطة الأكثرية وحقوق الأقلية.

المبادئ العامة الديمقراطية الدستورية:
تنبني الديمقراطية الليبرالية على أساس سبعة مبادئ تمثل مرتكزاتها الرئيسية، والتي تتفرع عنها مبادئ وقيم فرعية كثيرة تمثل في مجملها الإطار التنظيمي لنموذج حكم الأكثرية. هذه المبادئ هي:
1.     حكم الأكثرية
2.     الفصل بين السلطات
3.     التمثيل والانتخاب
4.     المعارضة الوفية أو المخلصة
5.     سيادة القانون
6.     اللامركزية
7.     التداول السلمي للسلطة

وتكون الديمقراطية بوجه عام بإحدى الصورتين، فإما أن تكون ديمقراطية مباشرة يصوت فيها الشعب على قرارات الحكومة كالمصادقة على القوانين أو رفضها مباشرة، وهي الصورة التاريخية للديمقراطية والتي يُعتبر النظام الديمقراطي في أثينا القديمة أبرز أمثلتها. ويصعب تطبيق هذه الصورة في الوقت الحالي نظراً لحالة العولمة والارتباطات الإقليمية والدولية وتسارع وتيرة التطور وقيام الحاجة لاتخاذ القرارات المستعجلة في بعض الحالات، وغير ذلك من العوامل. أما الصورة الأخرى فهي الديمقراطية النيابية وهي عبارة عن نظام سياسي يُصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين يتخذون بدورهم القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين، وسبب تسميتها بالنيابية يرتبط بطبيعة التصويت حيث لا يقوم أفراد الشعب مباشرة بالتصويت على القرارات وإنما يصوتون على اختيار نوابٍ يشكلون حكومة البلاد ويقررون بالنيابة عنهم بما يتوافق ومصالح الناخبين، وهو ما يُصطلح عليه بالنظام الجمهوري. وهذه الصورة هي الصورة الشائعة في الأنظمة السياسية الديمقراطية اليوم.

ثانياً: نموذج "الديمقراطية التوافقية".. المفهوم والنشأة:
مع تراكم التجارب السياسية، وظهور بعض المشكلات التنظيمية والسياسية في إدارة الدولة وفق الأنظمة الديمقراطية، سواء الدستورية أو المطلقة أو غيرها من أشكال الديمقراطية الأخرى، برزت الحاجة لإدخال بعض التطويرات على مفاهيم النظام الديمقراطي. وكان من بين النماذج التي برزت في هذا السياق نظام "الديمقراطية التوافقية" أو كما تصطلح عليها بعض الأدبيات السياسية "الديمقراطية التكاملية"، والتي تعود فكرتها إلى المفكر الهولندي آرنت ليبهارت، الذي يُعد من أوائل منظريها، حيث طرح هذا النموذج كحل للحكم الديمقراطي في المجتمعات التعددية.

ويرى ليبهارت أن هذا النموذج –الديمقراطية التوافقية- هو عبارة عن استراتيجية سياسية لإدارة النزاعات من خلال التعاون والتوافق بين مختلف النخب والتجمعات عوضاً عن التنافس في اتخاذ القرارات وفق قاعدة الأكثرية.

مبادئ ومرتكزات الديمقراطية التوافقية:
تقوم الديمقراطية التوافقية على أربعة مبادئ أساسية هي:
1.     الحكومة الاتلافية، أو التحالف الواسع الذي يشمل حزب الأكثرية وغيره من الأحزاب السياسية الأخرى في البلاد.
2.     التمثيل النسبي في الوزارات والمؤسسات والإدارات والانتخابات وغيرها من المواطن المرتبطة بإدارة الدولة
3.     حق النقض المتبادل (الفيتو) للأكثريات والأقليات على حد سواء بهدف منع احتكار السلطة
4.     الحكم الذاتي للشؤون الخاصة بكل حزب أو جماعة

نشأة الديمقراطية التوافقية وتطورها:
وفق ما يشير إليه مُنظِّر الديمقراطية التوافقية ليبهارت، فإن أبرز الأنظمة التي نشأ فيها هذا النموذج هي بلجيكا وهولند وسويسرا والنمسا، والتي لم تكن الحاجة فيها تتثمل في إقامة ديمقراطية توافقية على أساس نظري وإنما الحاجة الاستراتيجية لمعالجة المشكلات الخطيرة التي كان يتعرض لها النظام الديمقراطي في هذه الدول.

وقد تبلور هذا النموذج بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية حيث يمكن ملاحظة تركيبات الأنظمة السياسية في تلك الدول والتي قامت على أساس التمثيل الحزبي. ففي سويسرا مثلاً يتألف الاتحاد الفيدرالي من 7 أعضاء يمثلون الأحزاب الرئيسية وذلك على النحو التالي: عضوان من الراديكاليين، عضوان من الاشتراكيين، عضوان من الكاثوليك، وعضو واحد من حزب الفلاحين.

الأمر المهم الواجب الإلتفات إليه هو أن الديمقراطية التوافقية ما هي إلا رؤية استراتيجية لحسم النزاعات الداخلية تطورت في دول ذات تقاليد ديمقراطية عريقة بغرض الحفاظ على تماسك الدولة وتمثيل جميع الفئات الاجتماعية في العملية الديمقراطية وصناعة القرار السياسي.


ثالثاً: مشكلات نموذج الديمقراطية التوافقية:
تشير التجارب السياسية إلى فشل نظام الديمقراطية التوافقية في عدة أوجه، نتناول منها ثلاثة أوجه فقط في هذه المقالة، وهي:

1. إشكالية حق النقض (الفيتو):
تتمثل أبرز مشكلات هذا النموذج في "حق النقض" الذي تتمتع به كافة الأطراف الممثلة في الائتلاف الحاكم على حدٍ سواء. فهذا المبدأ (مبدأ حق النقض) يتعارض بشكل فاضح مع أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية (المطلقة أو الدستورية) وهو مبدأ الأكثرية في اتخاذ القرارات، خصوصاً إذا ما كانت هذه القرارات ذات ضرورة استراتيجية وقومية للدولة. فوفق هذا النموذج لا يمكن تمرير القرارات والتشريعات دون موافقة قادة جميع الفئات.

وفي هذا الصدد، تظهر مشكلتان أساسيتان، الأولى هي أن الأقلية يمكن لها أن تعطل أو تلغي بصورة تامة قرار الأكثرية بموجب حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به. أما المشكلة الأخرى فتتمثل في عدم المعالجة الحقيقية لمشكلات التوافق التي من أجلها صِيغَ هذا النموذج. فعلى الرغم من قيام الحكم على أساس الائتلاف الممثل لكافة الشرائح لتفادي النزاعات، إلا أن وجود حق النقض عند كل الأطراف يجعل من إشكالية قيام النزاعات أمراً واقعاً لا يناسبه العلاج الذي طرحه هذا النموذج. وفي المقابل، فإن انتزاع هذا الحق من الأقليات كحل لهذه الإشكالية يعني إفراغ نموذج الديمقراطية التوافقية من مضمونه (العلاجي).

ويكون السيناريو المطروح في هذا السياق من أجل الوصول لتوافق حول القرارات والتشريعات المُختلَف عليها، هو إمضاء التوافقات المصلحية بين الفئات المتنازعة، بحيث يتنازل الطرف المعارض للقرار مقابل تنازل الطرف الآخر في موضع آخر. وهذا السيناريو يشكل مجدداً معضلة أخرى، حيث يناقض المبدأ الآخر للديمقراطية، المتمثل في "التمثيل الشعبي"، إذ يتعين على الممثلين مراعاة مصالح من يمثلونهم لا مصالح الحزب، وقد لا تنطوي هذه الصفقات التفاوضية على قيام تلك المصلحة العامة.

والنتيجة هي أن هذا النموذج لم يُوفق في معالجة مشكلة النزاعات التي تَولَّد من أجل معالجتها، بل إنه عزز تلك النزاعات بترقية قدرة الأطراف الأضعف لتمكينهم من تعطيل قرارات الأكثيرية، والواقع أن الأنظمة الديمقراطية إنما تقوم على أساس مبدأ الأكثرية كما سلفت الإشارة.

وتتضاعف تأثيرات هذا المبدأ في ظل الأنظمة المشوهة التي تسعى للجمع بين نظامين غير متجانسين، كنظام الملكية والديمقرطية، حيث إمكانية قيام التحالفات غير المعلنة مثلاً بين الأسرة المالكة والأقليات التي تتمتع بحق النقض لتعطيل كل ما من شأنه المساس بها أو إقرار ما لا ترغب في إقراره. وبمعنى أدق، فإنه من غير الممكن إطلاقاً من الناحية العملية قيام نظام ديمقراطي توافقي في ظل ملكية، دستورية كانت أو غير دستورية.

وحيث أن الإشكال مرتبط بنموذج الديمقراطية التوافقية لا بنظام الملكية، فإن ذات الإشكال يكون قائماً حتى مع انعدام الملكية في المثال السابق، إذ أنه من الممكن قيام التحالفات مثلاً بين طبقة التجار والأقليات مقابل منافع متبدالة يقوم فيها مالك حق النقض بتعطيل القرارات غير المرغوب فيها من قبل الطرف الآخر، بينما يقوم الطرف الآخر بتقديم امتيازات أو منافع مادية أو ما شابه ذلك.

وتعتبر هذه الإشكالية، أهم الإشكاليات المُعطلة للحياة الديمقراطية بسبب تجاوز مبدأ أساسي في النظم الديمقراطية وهو مبدأ الأكثرية.


2. التمثيل النسبي:
وهو كما أشرنا سابقاً أحد المبادئ الرئيسية في هذا النموذج، والذي يتم بمقتضاه إعمال التمثيل النسبي في كافة مجالات إدارة الدولة من وزارات ومؤسسات وإدارات وانتخابات وغيرها. أي أنه نظام يقوم على أساس المحاصصة الفئوية المبنية على أساس الانتماء الحزبي. وبذلك يكون هذا النموذج أشبه بنموذج "المجتمع الطائفي" في تصنيف وليام كورنهاوزر.

وهذا يعني، أن تطبيق نموذج الديمقراطية التوافقية إنما يؤدي بالمحصلة لتكريس حالة الانقسامات والتوزيعات الطائفية والحزبية في البلاد، والذي يؤدي بدوره إلى تهشيم البُنية الاجتماعية للدولة، ما يُنذر باحتمالية قيام النزاعات الطائفية مع كل خلاف سياسي، سواءً كان هذا الخلاف يمس الحزب أو الطائفة أم لم يكن.

ويزداد أثر هذه الإشكالية في حال المجتمعات الصغيرة كالمجتمع البحراني، الذي يعاني بالأساس من حالة الانقسام والاصطفاف الطائفي التي نجمت عن التعبئة الطائفية التي بدأت منذ سنوات لاستخدامها كورقة سياسية عند الحاجة، وتعززت بعد انطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير بشكل واضح. ومخطئٌ من يعتقد أن حالة الانقسام الطائفي في البلاد هي وليدة الأحداث الأخيرة، وذلك عند الأخذ بعين الاعتبار مجمل العوامل في تحليل المشهد ومن بينها حدة التوتر، والتنظيم السياسي ذي النسق الطائفي، والتوظيف الديني لتكريس مفاهيم الولاء للحكم عوضاً عن الدولة من خلال زرع وتغذية "فوبيا" الحكم الشيعي والخطر الإيراني والتجنيس السياسي وغيرها من الأدوات التي وظفها النظام عبر السنوات الماضية فخلقت جيلاً غير قادر على تقبل الآخر. كما أن الممارسات الحزبية التي انطلقت مع ما يُعرف بالمشروع الإصلاحي في عام 2002، قد عززت من حالة التخندق بناءً على الانتماء الحزبي، فتمايزت التيارات السياسية على أساس اللون المذهبي أو الفئوي في داخل الطائفة الواحدة في غالبية المشهد السياسي.

ومن هنا، فإن خطورة تطبيق نظام الديمقراطية التوافقية في البحرين تكمن في تكريسه لحالة الانقسام الطائفي في مجتمع لا يحتمل هذه التقسيمات نظراً لحجمه وتداخلاته.

وتحت ذات العنوان، أي المحاصصة الفئوية، تظهر إشكالية أخرى تتمثل في الإضرار بمصالح الدولة من خلال التعيين المبني على الانتماء الحزبي أو الطائفي على حساب الكفاءة الفعلية، ما يشكل خطراً حقيقياً يتهدد مستقبل البلاد.


3. الحكم الذاتي:
قد لا تنطبق هذه الإشكالية على الدول الكبيرة التي تتوزع في ولايات ومقاطعات تتمتع بشيء من الاستقلالية في إدارة شؤونها، فيما تمثل في مجموعها إدارة فيدرالية للدولة. إلا أنه إشكال قائمٌ في حال المجتمعات والدول الصغيرة، كالبحرين وحتى بقية دول الخليج التي تفوقها مساحةً وسكاناً.

فمبدأ "الحكم الذاتي" في الصورة النموذجية أو الاستقلالية في إدارة شؤون النطاق الجغرافي للحزب أو الطائفة أو الفئة في الصورة المخففة، يعمل بصورة متوازية مع مبدأ التمثيل النسبي من حيث تكريسه للانقسامات والتوزيعات. بل إن هذا المبدأ يضاعف من حجم مشكلة التقسيم الحزبي أو الفئوي أو الطائفي حيث ينقل التقسيم من الصورة الافتراضية المتمثلة في التقسيم السياسي، للصورة الواقعية المتمثلة في التقسيم الجغرافي، وما يترتب على ذلك من إشكالات سبقت الإشارة إليها في ما تقدم.


إشكاليات أخرى في نموذج الديمقراطية التوافقية:
بالإضافة إلى الإشكالات الثلاثة السابقة، وبهدف الاختصار، نورد بعض الإشكالات الأخرى التي خلُصت إليها بعض الدراسات التحليلية لنموذج الديمقراطية التوافقية بغرض اكتمال المشهد لدى القارئ الكريم، أبرزها:
1.     الالتفاف على التعددية السياسية التي تُعتبر أمراً ضرورياً في الأنظمة الديمقراطية وصمام أمان لمنع احتكار السلطة، بتقسيم الدولة إلى دويلات، وذلك بهدف تفادي النزاعات السياسية.
2.     لا يتمتع نموذج الديمقراطية التوافقية بقدرٍ كافٍ من الديمقراطية الحقيقية لا سيما في إمكانية تعطيل قرار الأكثرية من قبل الأقلية، وقيام المصالح الضيقة على حساب المصالح العامة.
3.     ينطوي هذا النموذج على احتمالية تكريس حالة الكبت لحريات الأفراد بسبب موازين اتخاذ القرار وما يرتبط به من توافقات سياسية يفرضها النموذج لضمان استمرارية العمل السياسي.
4.     في حال نجاح هذا النموذج، فإن العلاقة بين المكونات الاجتماعية تكون علاقة "مسالمة" ناجمة عن التقسيم المجتمعي على أسس فئوية، قد لا ترتبط بالضرورة بالتعايش الحقيقي بين الأفراد والتجمعات، بينما تهدف الديمقراطية لبناء العلاقة الاجتماعية على أساس "التعايش السلمي" بين مكونات المجتمع. والفرق بين الحالتين هو أن الأولى (أي المسالمة) تحتمل قيام النزاع والتصارع في حال بروز الخلافات السياسية بين القيادات الحزبية أو الطائفية، بينما حالة التعايش تفرض نفسها على المشهد السياسي في الاتجاه المعاكس فتفرض على القيادات السياسية الجنوح لحالة المسالمة إن لم تكن قد بلغت حالة التعايش بعد.
5.     احتمالية ضعف القدرة الإنتاجية للدولة بسبب نظام المحاصصة الفئوية على حساب الكفاءة.
6.     الجمود أمام مشكلات عدم الفعالية الإدارية للدولة بسبب التفاهمات التفاوضية التي يحكمها حق النقض.


الخلاصة:
إن نظام الديمقراطية التوافقية نظام إداري هزيل، الغرض الأساسي من اعتماده هو تحقيق المصالح الفئوية وليس الصالح العام، وهو نموذج وإن ادعى مُنظِّروهُ ومتبنوه أنه أحد نماذج الديمقراطية، إلا أنه في واقع الأمر نموذجٌ مناقض لمبادئ الديمقراطية، ولا يحمل من الديمقراطية سوى اسمها. ويشكل هذا النموذج مصدر خطورة سياسية وإدارية واجتماعية واقتصادية كبيرة في المجتمعات الصغيرة لاسيما إذا كانت هذه المجتمعات تعاني من بعض أشكال الانقسامات الاجتماعية، كالمجتمع البحراني على سبيل المثال.


وبالرجوع لوثيقة المنامة التي أطلقتها الجمعيات الخمس واعتبرتها المرتكز الرئيس لموقفها السياسي الذي ليس عنه حياد، فإن أول ما يلحظه المتأمل أن نموذج الديمقراطية التوافقية الذي تتبناه الجمعيات اليوم هو مناقضة صريحة لمبادئ تلك الوثيقة التي تحدثت في مجمل مبادئها عن نموذج الديمقراطية الليبرالية، وقد بيّنا في ما سبق الفرق بين النموذجين. وعليه، فإن قراءة المشهد في ما يتعلق بموقف الجمعيات الخمس، تشير إلى تطورٍ سلبي في الموقف يقوم على أساس الانحدار في المطلب رغم زعم التمسك بمبادئ الوثيقة.

هذا في ما يتعلق بوثيقة المنامة، أما بالنسبة لموقف قوى الرابع عشر من فبراير بمختلف شرائحها، فإنه يؤكد على الرفض القاطع لأي نظام يقوم على مبدأ المحاصصة الفئوية أو الطائفية في إدارة الدولة، علاوة على رفض نموذج النظام السياسي القائم على بقاء الأسرة الحاكمة في موقعها تحت مسمى الإصلاح، وذلك من خلال تبني هذه القوى لمطلب إسقاط النظام ومحاسبة رؤوسه عن الجرائم التي ارتكبها في حق أبناء الشعب دون تمييز. وحيث أن نموذج "الديمقراطية التوافقية" يَعتبر التمثيل النسبي والمحاصصة في توزيع مناصب إدارة الدولة وتعطيل رأي الأكثرية لحساب مصالح فئوية، مبادئ أساسية في النظام الإداري للدولة، فإنه يكون نموذجاً مرفوضاً لما ينطوي عليه من إذكاءٍ وتكريسٍ لحالة التقسيم الطائفي، وسيراً بالبلاد من وضع سيء في ظل الملكية المطلقة إلى وضعٍ أكثر سوءً في ظل نظام طائفي إقصائي بغيض يحمل صورة ظاهرية للديمقراطية تناقض والممارسة الحقيقية على أرض الواقع.


هناك تعليق واحد:

  1. بإختصار شديد ..
    من خلال دراسة النُظُم السياسيّة والدستوريّة ..
    يتبيّن أن كل نظام ديموقراطي لديه عيوب وانتقادات ..

    حكم الأغلبيّة قد يقصي الأقلّية ..

    وحكم الأحزاب أو المحاصصة السياسيّة قد يحرم معظم أبناء الشعب من استرداد حقوقه .. أي انه لدى كل الأحزاب حق الفيتو وهذا شيء خطير جداً قد يعطّل الصالح العام ويكرّس للمصلحة الخاصّة ..

    ردحذف