السبت، 25 أغسطس 2012

تقرير: من الشهيد مشيمع إلى الشهيد حسام.. هل غير النظام منهجيته؟

 

صوت الثورة
رغم مساعي النظام والقنوات الإعلامية المأجورة لتشويه الحقائق في جريمة اغتيال الشهيد الشاب حسام الحداد، إلا أن ما يستوقف المتتبع للشأن البحراني يلحظ ما يبدو أنه تطور في الوضع العام. فعلى عكس ما يطال جرائمه السابقة من نفي وإنكار واعتقال أبرياء واتهامهم بما اقترف من جرائم، اعترف النظام فورا بارتكابه لهذه الجريمة النكراء، ولو بصورة مشوهة.. 
فهل هو تطور حقيقي؟ وما هي مؤشرات وقراءات وخلفيات هذا (التطور)؟ 

هذا ما نسلط عليه الضوء في هذا التقرير.




بدأت سلسلة تعاطي النظام الخليفي مع إعلان أستشهاد أحد المواطنين بلعب دور المتفاجئ الذي لا يعلم كيف حدث الأمر كما في حالة أول شهداء ثورة الرابع عشر من فبراير الشهيد علي مشيمع، حيث جاء في النص الصادر عن المركز الاعلامي  لوزارة الداخليه الخليفية "أعرب الفريق الركن معالي الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية عن خالص تعازيه وعميق مواساته لأسرة المرحوم (علي عبدالهادي مشيمع) الذي توفى متأثراً بإصابته الناتجة عن الأحداث التي وقعت في منطقة الدية". مشيراً إلى أنه سوف يتم التحقيق في هذه القضية للتعرف على ظروف وملابسات الواقعة والأسباب التي أدت إلى استخدام السلاح، ومؤكداً على أنه "إذا دلت التحقيقات على عدم وجود المبرر القانوني لاستخدام السلاح فإنه سوف يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتسبب وإحالته إلى المحكمة الجنائية".

غير أن الواقع أنه حتى اللحظة، أي بعد مرور أكثر من ونصف على حادثة القتل الغادر، لم تصرح وزارة الداخلية بأي جديد في القضية، بل ولم تشرع في أي تحقيق لمعرفة القاتل (المعروف أصلا)، وإنما عمدت للتصريح بتقديم من قام بالفعل للمحاكمة، دون أن إيراد ما يثبت صحة هذا الإدعاء من قريب أو بعيد. القاتل ما زال طليقا، في الوقت الذي تجري فيه فصول المسرحية المفضوحة في المحاكم تحت عنوان "محاكمة قاتل مشيمع".

وبينما كان الإدعاء بإجراء التحقيق في ملابسات قضية (الشهيد الأول) يساق على لسان وزارة الداخلية الخليفية،,سقط الشهيد الثاني، ليس بعيداً عن الشهيد الأول وإنما في موكب تشييعه.

الداخلية الخليفية بررت القتل هذه المرة على موقعها الإلكتروني على النحو التالي: 

"صرح رئيس الأمن العام بأنه أثناء تشيع جنازة المرحوم (علي عبدالهادي مشيمع) صباح اليوم اشتبك عدد من المشاركين بالجنازة مع أفراد أربع دوريات أمنية كانت متوقفة على خط سير الجنازة بسبب تعطل إحدى الدوريات والتي استدعت حضور الدوريات الثلاث التي كانت تقوم بعملية إخلاء للسيارة المتعطلة في الموقع، وقد نتج عن الاشتباك إصابة أحد الأشخاص المشاركين بالجنازة  يدعى (فاضل سلمان متروك) والذي توفى على أثر الإصابة بالمستشفى. والتحقيق جارٍ لمعرفة ملابسات القضية".
 

ونتيجة لسقوط شهيدين في أقل من 48 ساعة، توجه أحرار الرابع عشر من فبراير إلى ميدان اللؤلؤة الذي تحول لاحقاً لمركز الاعتصام الرئيسي في البلاد، في حين عجزت الداخلية الخليفية عن إيقاف الزاحفين نحو الميدان، فاكتفت بالتصريح التالي:


ورغم احتواء تصريحات الداخلية الخليفية على الكثير من الأكاذيب، إلا أنه لم يمضِ وقت طويل لكي تتكشف الحقائق وتنفضح المغالطات التي أوردتها الوزارة، لاسيما بعد الهجوم الأولى على ميدان اللؤلؤة في عتمة الليل، والذي عُرف بالخميس الدامي، حيث ساقت الداخلية تبريرها لاستشهاد أربعة مواطنين في يوم واحد على النحو التالي:

وفي ما تواصل سقوط الشهداء الواحد تلو الآخر تباينت تصريحات الداخلية الخليفية في ما أوردته من أسباب، غير أن العنصر المشترك في كل التبريرات كان تبرئة عناصرها من دماء جميع من تم قتلهم بمن فيهم من استشهدوا تحت وطأة التعذيب داخل السجون الخليفية، فتنوعت أسباب (الوفاة) بين هبوط في الدورة الدموية، والنوبة القلبية، ومرض السكلر (فقر الدم المنجلي)، والوفاة الطبيعية، دون تشريح الجثة، وما إلى ذلك من الأسباب الطبيعية التي كانت تصدر مباشرة على موقع وزارة الداخلية بمجرد انتشار خبر استشهاد أحد المواطنين. وفي ما يلي نماذج بسيطة من تلك التصريحات:

رابط : وزارة الداخلية تعاملت مع مسيرات وتجمعات مخالفة لتدابير حالة السلامة الوطنية ووفاة أحد المواطنين طبيعية
رابط : وفاة طبيعية لشاب والجهات المختصة تباشر التحريات
رابط : وفاة موقوف مصاب بالسكلر
رابط : وفاة متهم بمركز التوقيف بعد إحداثه للفوضى ومقاومة رجال الأمن
رابط : العثور على جثة شخص بالقرب من صيدلية ناصر بمنطقة الحورة
رابط : الصحة : وفاة الموطن (سلمان عيسى أحمد أبو أدريس) طبيعية
رابط : مدير عام شرطة محافظة العاصمة يؤكد بأن وفاة زينب علي طبيعية

 

رجل ستيني، أثناء خروجه من المسجد بعد أداء صلاة الصبح، انهالت عليه مرتزقة حمد فأردته قتيلاً، فما كان من وزارة الداخلية إلى أن برأت مرتزقتها وبلطجيتها من دم الشهيد معقبةً ذلك باعتقال أحد المواطنين وإلصاق التهمة به.

 
وإذا كانت هذه هي حال التنصل من حالات القتل بالسلاح وأمام مرأى العامة، فإن القتل في المنازل بالغازات السامة التي يستوردها النظام من عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرازيل، والتي لا يزال يستخدمها النظام بشكل مفرط في الأحياء السكنية وداخل المنازل، يكون أسهل في النفي.





شهيد العيد الأول، الطفل علي جواد الشيخ، لم يترك للداخلية الخليفية مجالاً للتنصل من القتل المتعمد، إذ لم يفارق الحياة نتيجة السكلر أو الضغط أو هبوط ضغط الدم، أو غير ذلك من الأشكال التي اعتادت الوزارة الخليفية على إيرادها، وإنما سقط بسبب إصابته بعبوة الغاز المسيل للدموع مؤخرة العنق نتيجة توجيهها المباشر من مسافة قريبة. لذا، عمدت الوزارة الخليفية إلى نفي ما ورد عن شهود العيان وما أظهرته الصور من موقع الحادث والتي تبرهن على السبب الحقيقي لاستشهاده، غير أنها أعلنت عن رصدها مبلغاً من المال (عشرة آلاف دينار بحريني / ستة وعشرون ألف وخمسمائة دولار تقريباً) لمن يساعد في التعرف على قاتل الطفل الشهيد علي جواد الشيخ. فيما ساقت عضو مجلس الشورى الخليفي ومستشارته الإعلامية سميرة رجب في لقاء لها بإذاعة البي بي سي العربية قصة وجود سفاح طليق في البلاد!!

 
وعلى الرغم من استمرار الوزارة الخليفية في إيراد الأكاذيب والتبريرات المفضوحة في أعقاب سقوط كل شهيد، وإعلانها عن إجراء التحقيق في ملابسات تلك القضايا، إلا أنه لم تفصح عن نتائج تلك التحقيقات ولم تحمل نفسها أو مرتزقتها مسؤولية قتل أي من هؤلاء الشهداء.


 
فيما استمرت في التعليق على كل جرائم القتل التي تنفذها مرتزقتها بأنها: وفاة طبيعية.. 





ست زهرات في مقتبل العمر، غادرن الحياة في لحظة واحدة إثر حادث مروري شابته الكثير من الشبهات الجنائية، لم تثنِ الداخلية الخليفية عن منهجيتها، فكان التبرير الفوري بأن الحادث كان نتيجة السرعة الكبيرة وقلة خبرة الفتاة التي كانت تقود السيارة. ولم تتبع ذلك بأي تحقيق في الحادث، رغم ما انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي من استفهامات عديدة كان من بينها تغيير وضعية السيارة بعد الحادث والزجاج المتناثر، وجود آثار لتسرب الزيت أو البنزين من السيارة، وغير ذلك من الاستفهامات، مع الإشارة إلى أن مرتزقة النظام الخليفي كانت قد منعت جميع المتواجدين في محيط الحادث من الاقتراب حتى ولو بدافع إنقاذ المصابين بصورة فورية.





آخر الشهداء حتى لحظة إعداد هذا التقرير، كان شهيد العيد الثاني، الشاب حسام الحداد، الذي أوردت الداخلية الخليفية خبر استشهاده بعد ديباجة مطولة ذكرت فيها أن إرهابياً كان قد هاجم دوريات الشرطة بالزجاجات الحارقة (المولوتوف) ما دفع رجال الأمن للتعامل مع الوضع (أي قتله).

ولتدعيم مزاعمها هذه، عرضت مقطع فيديو مُصورٍ من مسافة بعيدة جداً يظهر تطاير بعض الزجاجات الحارقة باتجاه سيارات الشرطة، دون أن تتضح في ذلك التسجيل ملامح المهاجمين، ولا تاريخ أو وقت التسجيل، ولا كيفية سقوط الشهيد أثناء المهاجمة المزعومة، علماً بأن سوابق تصوير مسرحيات من هذا النوع وفضح الثوار لها ليست بالجديدة وإنما تملأ شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يتحاج الوصول لأي منها لأي جهد يُذكر.

أتى ذلك، في الوقت الذي أكد فيه شهود عيان كانوا متواجدين في موقع استشهاد الحداد أن الشهيد لم يكن في حالة هجوم وإنما كان يتسوق ليلة العيد في متاجر المنطقة التي سقط فيها (في المحرق) وأنه قد سقط على الأرض بسبب ما تلقاه من طلقات سلاح الشوزن المحرم دولياً، غير أن الوفاة نتجت عن قتله المتعمد بعدما تقدم ثمانية أشخاص بلباس مدني، فأشبعوه دوساً وضرباً وركلاً حتى فارق الحياة ثم مثلوا بجسده بعد القتل بسحبه على الأرض. كل ذلك ومرتزقة النظام تقف موقف المتفرج.

وبين تصريح الداخلية الخليفية، وشهادة شهود العيان، وما توصل إليه النشطاء الحقوقين خلال متابعتهم للحادث حينها، يظهر في اليوم التالي جثمان الشهيد ليبرهن أكاذيب الداخلية ويثبت صحة ما ورد على لسان شهود العيان.. جسد اخترقته طلقات الشوزن من الخلف ما يكذب كونه في حالة هجوم، وآثار ضرب مبرح ودوس وسحب في أنحاء متفرقة من جسمه الطاهر.




وما يستوقف المتابع في هذه الحادثة أن وزارة الداخلية ولأول مرة اعترفت بأن سقوط المواطن كان بسبب تعامل رجال الأمن مع الوضع. فهل يشكل ذلك تطوراً أو تصحيحاً لمنهجية الداخلية الخليفية؟!! الإجابة قطعاً: كلا.. والسبب هو:

  1. القول بالوفاة نتجية الطلقات أثناء تأدية رجال الأمن لعملهم ودفاعهم عن أنفسهم، أهون من الاعتراف بالقتل العمد من قبل عصابة من البلطجية تحت حماية المرتزقة، ثم التمثيل بالجثة.
  2. القول بوفاة الشهيد نتيجة اعتداء المدنيين يؤكد ما يورده المواطنون من إدارة النظام لعصابات من البلطجية بلباس مدني، فيضع النظام في إحراج أكبر.
  3. الاعتراف بالسبب الحقيقي للوفاة يستلزم محاسبة مجموعة من المدنيين (ظاهراً)، وهو ما يصعب على النظام التعامل معه، حيث أن محاسبة العسكريين تتم بشكل سري لا يعلم الناس عنه سوى ما يرد في بعض التصريحات الخجولة، إن وُجد.
  4. الاعتراف بالسبب الحقيقي للوفاة، يعني بكل بساطة أن رواية دفاع الشرطة عن أنفسهم ضد هجوم الفتى الشهيد باطلة جملة وتفصيلاً.
وما لا يقل أهمية عما ورد أعلاه، هو أن النظام بما أقدم عليه من تزوير للحقائق، فضلاً عن القتل المتعمد في هذه الجريمة النكراء وما سبقها، يؤكد على إصراره في إبادة المعارضين، دون أن يميز بين طفل أو شاب أو عجوز، ولا بين متظاهر أو شخص آمنٍ يسير في الطريق.

نظامٌ يبدي هذا الإصرار بينما يتبجح بدعاوى الحوار الكاذبة لتحسين موقفه الدولي الذي لا يُحسد عليه، هو نظام عصيٌ على الإصلاح يستلزم التغيير الجذري والمحاسبة العادلة لجميع رموزه بدئاً من هرم السلطة وانتهاءً بأصغر مرتزق يكسب قوته اليومي بإزهاق أرواح المواطنين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق